من الحقائق المهمة التى يُستَحسَن استيعاب معناها وأبعادها والأخذ بمضمونها، أنه لا يوجد دين فى العالم يُشكِّل أتباعه أغلبية البشر على الكرة الأرضية. ولما كان أتباع الدين الواحد يتركزون فى دولة أو إقليم، وحتى إذا كانوا يشكلون حيث يقيمون أغلبية عددية، فإن إخوانهم من نفس العقيدة مبعثرون عبر العالم كأقليات. ولما كان أتباع كل دين ممن يشكلون أغلبية فى بلادهم لا يقبلون على إخوانهم الظلم إذا كانوا أقلية فى مكان آخر، فهذا أدعى لأن يكونوا منصفين مع الأقليات الأخرى التى تشاركهم الوطن. وهذا ليس فقط بدوافع الأخلاق والإنسانية التى يجب أن يتحلى بها الإنسان المتحضر، وأن تلتزم بها الدولة التى تستهدف العدالة وأمنها الوطنى، وإنما أيضا بمقتضيات السياسة العملية التى تفسدها هذه الازدواجية. مثلا، وطبقا لبعض الدراسات، ومع صعوبة الاتفاق على تعريف مصطلحات مثل الدين والملة والمذهب، فإن هناك دراسات ترى أن هناك نحو 150 دينا عبر التاريخ تجاوز عدد معتنقيه حاجز المليون فرد. أما الديانات الرئيسية فى أيامنا هذه فتصل إلى نحو 22 ديانة، تتصدر القائمة المسيحية بكل طوائفها بنحو 31 % فقط من إجمالى سكان العالم، ويأتى الإسلام، السُّنة والشيعة معاً، فى المرتبة الثانية بنحو 23 بالمئة، ثم الهندوسية قرابة 14 %، ثم البوذية أقل قليلاً من 7 %..إلخ. وبمناسبة الجرائم البشعة ضد الإنسانية التى يتعرض لها مسلمو الروهينجا على يد المتطرفين البوذيين، والتى يجب التصدى لها بكل قوة، فإن جذورها لن تُعالَج بالتنافس فى بيانات الشجب وإدانة المجرمين، ولا حتى بالاكتفاء بمحاكمتهم ومعاقبتهم، وإنما بترسيخ مبادئ الحريات العامة والخاصة والمتعلقة بالحقوق الدينية للجميع فى كل البلاد. ولا خلاف على أنه هدف بعيد، وأنه لا يمكن أن يتحقق فى وقت لا يزال البعض، وهم يصرخون بوجوب توفير الحريات والضمانات الكاملة لأنفسهم فى أوطانهم ولإخوانهم عبر العالم، فإنهم لا يترددون فى إعلان أن مشاعرهم تتأذى عندما يرون فى الجوار دور عبادة أصحاب الديانات الأخرى! بل ويمنعونهم من الصلاة حتى فى منازلهم!! لمزيد من مقالات أحمد عبد التواب;