على الرغم من انفتاح شهية رواد الإنترنت للتلاعب بمأساة مسلمي الروهينجا في ميانمار بنشر صور بشعة مفبركة لضحايا الاضطهاد والإبادة التي يتعرضون لها بهدف استكمال أوراق ناقصة تخدم مصالح معينة واستخدامها لدق أسافين طائفية وعنصرية تخدم الإرهاب والتطرف لخلق ذرائع دموية جديدة عبر شحن الشعوب بالحقد والكراهية، فتتحول إلى أدوات تجر الخراب والفوضى على بلادهم. فإن ذلك لا ينفي بشاعة ما تتعرض له الأقلية المسلمة في ميانمار من جرائم قتل وتعذيب وأسر نسائهم وبيعهن، بالإضافة إلى تجريد هذه الأقلية من جنسيتهم وحرمانهم من الحصول على أبسط حقوقهم من خدمات للرعاية الصحية والتعليم والسفر والعمل والزواج، وأخيرا إقصاؤهم من الحياة السياسية من خلال انتزاع حق الروهينجا البالغ عددهم أكثر من 1٫3 مليون نسمة في التصويت في أول انتخابات برلمانية حرة تشهدها البلاد منذ انتهاء الحكم العسكري والذي من المقرر إجراؤها في نوفمبر المقبل، فيما تعد أحدث ضربة في سلسلة طويلة من اللطمات التي يتلقاها منعدمو الجنسية منذ الثمانينات على يد البوذيين. حقا هي حملة شرسة يمارسها البوذيون الآن ضد مسلمي الروهينجا، فبعد أن كان الحق الوحيد الذي استطاع الروهينجا اكتسابه لفترات طويلة بعد السماح لهم "بتنفس الهواء" دون إذن هو المشاركة في الحياة السياسية في ميانمار، وكان آخرها الانتخابات العامة التي جرت عام 2010 حيث تمكن نحو 150 ألف مسلم من الإدلاء بأصواتهم في بلدة بوسيدونج ذات الأغلبية المسلمة، بات الآن المشهد أكثر تعقيدا، حيث من المتوقع ألا يتجاوز عدد الناخبين المسلمين في هذه البلدة عشرة أشخاص في الانتخابات المقبلة، كما لعب الحزب الوطني في ولاية راخين دورا في ممارسة الضغط ضد منح حقوق التصويت لحاملي البطاقات البيضاء، وهي عبارة عن أوراق هوية مؤقتة حصل عليها معظم الروهينجا بحلول انتخابات 2010، وسمحت لهم بالتصويت. وجاء قرار إلغاء حق التصويت في خضم ضغوط من أحزاب سياسية ورهبان بوذيين متعصبين يعتبرون مسلمي الروهينجا "متطرفين" ومهاجرين غير شرعيين من بنجلاديش المجاورة، كما يرون أن المواطنين الأصليين هم فقط من ينبغي أن يكون لهم هذا الحق، على الرغم من أن أسر الروهينجا لها جذور في المنطقة منذ أجيال وكانوا كاملي الأهلية إبان فترة الاستقلال من بريطانيا في عام 1948، كما صوتوا في كافة الانتخابات منذ ذلك الوقت، لكن جنسيتهم تآكلت تدريجيا على مدى نصف قرن من الحكم العسكري. ووفقا للمنظمة الدولية للاجئين، يعد مسلمو الروهينجا من أكثر المجموعات عديمة الجنسية" في العالم ، فمنذ اضطهادهم عام 1940، يعيش حوالي مليون شخص في المنفى، في حين لا يزال 1،3 مليون مسلم في ميانمار، بينما يظل 40 ألفا من المشردين. وجزء من المشكلة هو أن الروهينجا الذين يريدون الحصول على الجنسية يجب أن يوافقوا على الإقرار بأنهم بنغال، بينما يرفض غالبيتهم القيام بذلك. وجاءت التصريحات الأخيرة للكاهن البوذي ويراثو أشهر كاهن في التيار المتطرف ماباثا (لجنة حماية الجنسية والديانة) المعروف بمعاداته للمسلمين لتظهر جليا أن أبواب الشر القادمة من التعصب الديني ستظل مفتوحة، وسيتمادى البوذيون في إصرارهم على تهميش مسلمي الروهينجا في البلاد. ويقول ويراثو الذي أمضى عدة سنوات في السجن خلال الحكم العسكري للبلاد بسبب دعواته إلى الكراهية إنه يمضي ليلته على جهاز الكمبيوتر ليبث على شبكات التواصل الاجتماعي صور الفظائع التي يرتكبها المتطرفون "المسلمون" في العالم. ويشير الكاهن الذي قدم نفسه في حوار أجرته معه وكالة الأنباء الفرنسية في معقله بماندلاي - ثاني أكبر المدن في ميانمار – إلى أنه يقف في وجه تهديد أسلمة ميانمار التي يشكل البوذيون غالبية سكانها إنه لا يمكنه أن يثق في المسلمين لأنهم يريدون الاستيلاء على البلاد ب"مكر" على حد تعبيره، وهنا يتضح الدافع الذي تسعى إلى ترسيخه جهات معنية متطرفة في عقول غير المسلمين. وجعل الكاهن ويراثو نشاطه الإعلامي الكبير أحد أعمدة إثارة الكراهية ضد المسلمين في ميانمار التي أدت إلى مواجهات وصلت إلى حد الإبادة الجماعية راح ضحيتها الكثير من الأرواح عام2012 . واليوم يتمتع ويراثو بنفوذ كبير ويؤكد انتصاره على الأقلية المسلمة في ميانمار بعد إقرار القانون الأخير الذي فرض قيودا على الزواج بين أتباع مختلف الديانات والحرمان من التصويت الذي طال مئات الآلاف من مسلمي الروهينجا. وعلى الرغم من قيام بعض دول العالم، مثل الصين، باستثناء المسلمين من تطبيق بعض قوانينها مثل سياسة الطفل الواحد ومنع تعدد الزوجات، فإن لعنة الكهنة البوذية في ميانمار تحل على الجميع دون استثناء، بل وتحذر من الخروج عنها، حيث هدد الكاهن ويراثو بإسقاط أي حكومة قادمة تحاول التراجع عن النصوص المعادية للمسلمين التي أقرها البرلمان مؤخرا وعلى رأسها القانون المتعلق بالزواج الأحادي بين الأديان والذي يمنع تعدد الزوجات، وهو ما يعنى أن وضع مسلمي الروهينجا في ميانمار سيظل على ما هو عليه إن لم يكن أسوأ مما هو عليه اليوم. ومع أن الكهنة البالغ عددهم نحو 500 ألف لا يتمتعون بحق التصويت في الانتخابات، يشكل ويراثو وأنصاره قوة سياسية تنشط في الكواليس، ولا تجرؤ زعيمة المعارضة في ميانمار أونج سان سو تشي ولا الحكومة الإصلاحية الحاكمة منذ 2011 على إزعاجها، فلم يجازف حزب سو تشي الرابطة الوطنية للديمقراطية ولا الحزب الحاكم حزب الاتحاد والتضامن والتنمية بتقديم مرشحين مسلمين إلى الانتخابات البرلمانية القادمة نظرا لاعتبارات انتخابية، كما يراها محللون، بل التزمت سو تشي كعادتها الصمت لتقف مكبلة اليدين دون الإدلاء بأي تصريحات تشجب هذا القوانين. وعلى الرغم من أن تجريد الروهينجا من حق التصويت ربما أسعد السياسيين في ولاية راخين ذات الأغلبية البوذية والتي يعيش فيها نحو 140 ألفا من مسلمي الروهينجا، فإنه تسبب في خسارة قاعدة التصويت للحكومة في الولاية، بل سيحرم الروهينجا من التمتع بأي تمثيل سياسي وعدم المشاركة في أي قرار في البلاد، بمعنى أدق أصبح الروهينجا فاقدي حرية الحركة والتصويت معا في البلاد ليصيروا أجساد بلا أرواح.