بأسلوب ليس الأكثر ودية، دعا دونالد ترامب الأوروبيين إلي إعادة النظر في أمورهم... عندما قام بتحديد العلاقات المتعددة الأطراف التي كانت تربط القارة العجوز بالولاياتالمتحدة واختصارها إلي علاقة من طرف واحد تتعلق بالمصلحة أو التسوية، فلقد قام بتعجيل نهاية النظام القديم كما يري المراقبون. فمن خلال قائمة طويلة من التقلبات مثل خروج الولاياتالمتحدة من الاتفاقية النووية الإيرانية وفرض فجأة ضرائب علي الفولاذ والألومنيوم، بما فيه القادم من الدول الأوروبية المنتجة، ثم انسحاب القوات الخاصة الأمريكية من سوريا بدون أي تهيئة مسبقة أو أدني اعتبار لحلفاء أمريكا إلي جانب نقض اتفاقية القوي النووية المتوسطة المدي مع روسيا التي أقرت عام 1987 في عهد رونالد ريجان من أجل حماية أوروبا، وهذه التغيرات أسهمت في اضمحلال الرباط الأطلنطي ليثير تساؤلا حول استمرارية حلف شمال الأطلنطي بعد الفجوة التي شهدناها بين الولاياتالمتحدة والقارة الأوروبية في قمة الأطلنطي ببروكسل في يوليو الماضي ليقترح بعدها بأشهر الرئيس ماكرون تشكيل حلف «ناتو» أوروبي .. وبالذات أن ترامب، كما يؤكد خبراء العلاقات الدولية ينظر بعين الرضا لاستبدال مفهوم الحلف والمساعدات المتبادلة بين الدول الأعضاء، بسوق سلاح واسع تسيطر عليه واشنطن.. إن الخيار الآخر للزعامة الأمريكية قد فرض نفسه كأولوية علي جدول أعمال رؤساء الدول والحكومات الأوروبية الأوروبية الرئيسيين ولم يكونوا في حاجة علي الإطلاق إلي ذلك.. وإنما هؤلاء الرؤساء ينتهجون إستراتيجيات لاتتناسب مع اتساع الانقلابات الجارية في مواقف ترامب.. وفيما يخص الثنائي الفرنسي الألماني فإن انجيلا ميركل تؤكد بصرامة أن الاتزان الدولي يجب ألا يتغير وكأنما خطاب ترامب ليس إلا لحظة يجب أن تمر قبل توقفه عن عباراته الاعتراضية والعودة إلي مفاهيم الماضي. ويرى المراقبون وخبراء السياسة الخارجية ان انجيلا ميركل تمثل عصرا ينتهي وتبقي هي خاضعة للخط التقليدي لألمانيا ويعيد وزير الخارجية الأسبق سيجمار جابرييل إلي الأذهان «أن تكامل النظام الليبرالي الغربي مخلد بفضل الدستور الألماني» كما ان تعليق بيع الأسلحة لاحدي الدول العربية بقرار أحادي من برلين في أكتوبر 2018 يتجه مباشرة ضد التعاون بين البلدين.. فباريس وبرلين بالفعل قررتا معا تطوير دبابة للقتال ونظام جوي لمعركة المستقبل.. ويري محلل الشئون الخارجية كريستيان ماكاريون ان كل ما قد أسهم في بنيان جيل ميركل يتطاير وليس هناك في هذه التأهبات والانجذابات الشجاعة المليئة بالحنين إلي الماضي وإلي الوطن أي اسقاط أو منظور. ويؤكد المفكر الأوروبي «سيجمار جابرييل» في عالم يسيطر عليه اكلو اللحوم الجيوبوليتيكيين فنحن الأوروبيين آخر النباتيين وهذا يتعارض مع اقتراح ماكرون التطوعي والاختياري بتشكيل نظام دفاعي أوروبي عندما قال لم نستطع حماية الأوروبيين إذا قررنا أن يكون لنا جيش أوروبي حقيقي وانفجرت بعد ذلك حركة السترات الصفراء تجتاح فرنسا ويتساءل المراقبون هل كانت صدفة ام هناك يد خفية قامت بتحريك هذه الموجة التخريبية التي كادت تهدد أجمل عاصمة في العالم؟ ويرددون الآن في الغرب قولا مأثورا في مواجهة بولدوزير ترامب أي الجرافة الآلية التي تقوم بتمهيد وتسوية الأرض يبدو ان أوروبا مخلصه للجرار ذي المجرفة الآلية والذى يطلق عليه اسم تراكتوبيل بالفرنسية, وفي رأيي أن علاقات القوة هي التي تحكم حاليا قضايا الدفاع الاوروبي كما تحكم الرأسمالية المتوحشة والطاغية والمنفرة العلاقات في المجتمعات بعيدا عن أي أخلاقيات تسود لعبة المصالح! لمزيد من مقالات عائشة عبدالغفار