هانى نقشبندى كاتب مثير للجدل، حتى لو أبى الاعتراف بذلك، فرواياته - وعلى رأسها روايتا اختلاس وسلَّام - ما زالت تثير الجدل بين مؤيد ومعارض لما تطرحه من أفكار، لكن كلا الجانبين يتفقان على أنه روائى بارع، يجيد صياغة نصوص ممتعة، ويقدم أفكاره بأسلوب سردى قريب من القارئ، ما يجعل رواياته تحظى بقبول واسع. وكان ل«الأهرام» معه هذا الحوار: أنت كاتب مثير للجدل فى كل كتاباتك، لماذا؟ كل كاتب مثير للجدل، فكل كاتب عنده فكرة يريد طرحها على المتلقى، والفكرة ليست نظرية فيزيائية لكى تثير الجدل دائمًا، لكن الروايات ليست مجرد فكرة فقط، بل فكرة ونَص سردى، والروايات الحقيقية هى التى يكون النص فيها هو المثير للجدل، لذلك فإن تركيزى ينصب بشكل أكبر على النص. والروايات الكبرى يكون النص فيها قويًا، حتى لو كانت الفكرة عادية، هناك مثلا رواية «أنا كارنينا» لتولستوى، تعتمد على قصة بسيطة، لكن النص الرائع هو سر عبقريتها، وعندنا كتاب عرب كبار مثل إبراهيم الكونى وحنا مينا وغيرهما، قوتهم فى النص الذى يكتبونه، وعلى العكس لو كانت الفكرة جيدة، وكُتِبت بنص ضعيف، فإن الرواية تكون عرضة للفشل. ربما يكون هذا تفسيرًا لحرصك على سلاسة أسلوبك وقربه من القارئ؟ يعود الفضل فى ذلك إلى عملى الإعلامى، فقد جعل لغتى بسيطة، فأنا أقول دائمًا إن الجملة التى يضطر القارئ لقراءتها مرتين هى جملة فاشلة، فيجب أن يفهمها من القراءة الأولى، فالتعقيد لا يصنع نصًا قويًا، فكلما كان النص أبسط كان أقوى. وهل توقفت فائدة عملك الإعلامى على أعمالك الأدبية عند أسلوب الكتابة فقط؟ هناك فوائد أخرى عديدة، فأنا فى الأصل صحفى سياسى واقتصادى، وعملى الإعلامى أعطانى فرصة للسفر والتعرف على العالم، وإقامة علاقات مع مثقفين وكتاب كبار على مستوى العالم، كما أن هناك فارقا كبيرًا فى التعرف على المجتمعات الأخرى بالتعايش معها، فهو أفضل كثيرًا عن معرفتها بمجرد القراءة فقط. تعمل فى رواياتك على إظهار وجهة نظرك الخاصة تجاه البيئة العربية، دون أن تحاول نقل الواقع المعاش بالفعل، فهل ترى هذا صحيحًا؟ لا يمكن أن تكون كل الكتابات واقعية، بل لابد أن تعتمد على الخيال بنسبة ما، فهو يجعل الكاتب أكثر قدرة على الانطلاق، لكن يجب ألا يبالغ فى هذا الخيال، بل لابد من وجود رصيد واقعى ينطلق منه، وكل رواياتى، باستثناء رواية اختلاس، فيها نسبة كبيرة من الخيال، وعملى الأخير «قصة حلم»، الذى سيتحول قريبا إلى مسلسل، يعتمد كله على الخيال، وأنا أستريح لهذا الأسلوب. تضع القضية الفلسطينية دائما نصب عينيك، ولك مقالات مثيرة وكتاب مهم عن اليهود اسمه «اليهود تحت المجهر»، لكن العجيب أنك لم تتناول القضية فى أى عمل روائى، لماذا؟ فلسطين هى قضيتى الأولى والأخيرة، وأعتبرها قضية دينية ووطنية وإنسانية، ويجب أن تكون هى قضيتنا الأساسية والأزلية، والغريب أنى أواجه لومًا وعتابًا من بعض الكتاب على اهتمامى بها، وأنا بالفعل لم أتناولها فى أى عمل روائى، رغم أن كتاب «اليهود تحت المجهر» هو أول كتاب أصدرته، ونفيت فيه تماما فكرة سيطرة اليهود على العالم، لكن عندى رواية، أتمنى ان ترى النور قريبًا، تتناول قضية النضال الفلسطينى ضد الاحتلال الصهيونى، وهى رواية تعتمد على الخيال، وتحكى عن مجموعة من المقاومين الذين يواجهون الاحتلال، وكلما قتلهم الجنود المحتلون عادوا أحياء مرة أخرى ليواصلوا المقاومة. لجأت لكتابة الفانتازيا بعد رواية «اختلاس» واستمر ذلك فى كل رواياتك التالية، لماذا؟ الفانتازيا تجعلنى أوصل فكرتى للقارئ بشكل أسهل، لأن الواقع قاس، ورغم ذلك فإنى أعود به للواقع من خلال رسالة جادة أقدمها له عن طريق هذه الفانتازيا. هناك ارتفاع كبير فى مستوى الرواية السعودية خلال السنوات الأخيرة، ما أسباب ذلك؟ السبب هو أن قراءة الرواية انتشرت فى السعودية بشكل كبير، لأنها تطرقت لقضايا لم يتطرق إليها الإعلام، فلجأ المتلقى السعودى إلى الرواية، وكان لابد أن يرفع ذلك من مستوى الرواية بشكل عام. ما موقفك من الرقابة على الأعمال الأدبية؟ أنا لست ضد الرقابة فى المُطلق، ولا معها أيضًا فى المُطلق، فلها دور مهم، لأنه يجب ألا نسمح بعرض كل شىء على المجتمع، ولكنى ألوم على الرقيب لأنه يبالغ فى بعض الأحيان، وأحيانًا يفترض سوء النية فى الكاتب، وهذا خطأ. عملت كثيرًا فى مجال الإعلام المكتوب والمرئى، منها أعمال متخصصة عن المرأة، هل لهذا علاقة باهتمامك بمشكلات المرأة فى أعمالك؟ أبدًا، اهتمامى بالمرأة فى الأدب، وفى الحياة العامة أيضًا، سببه والدتى - رحمها الله - فقد توفى والدى وعمره 36 سنة، وكان عمر والدتى 33 سنة، وخلف لها ستة من الأولاد، وكانت ظروفها قاسية، ولولا قوتها وشجاعتها كنا سنضيع فى الحياة، وكنت أشعر بمعاناتها، ومن خلالها تولدت عندى صورة عن المرأة، ونبع اهتمامى بها. تعددت الجوائز العربية، فهل يفيد هذا حركة الأدب، فى ضوء أن بعض الكُتَّاب أصبحوا يكتبون أعمالًا أدبية على المقاييس المطلوبة للجوائز فقط؟ ليس معنى فوز روائى بجائزة أنه وصل لقمة المستوى الإبداعى، فأنا أرى أن الجوائز هى أكبر مدمر للحركة الأدبية، فأنا أرفض تمامًا الترشح لأى جائزة، أولًا لأن فيها ظلما كبيرا، فإحدى الجوائز العربية تُقدم لها بين ثلاثة وأربعة آلاف رواية كل عام، فهل تقرأ لجنة التحكيم كل هذه الروايات قبل اختيار الفائز؟ أعتقد أن هذا مستحيل. وأيضًا، فمع كل رواية تفوز تُقتَل بالمقابل ألف رواية، فالقراء يتحدثون عن الرواية الفائزة، فى حين أن روايات أهم منها تُدفَن بسبب هذا الفوز، هذا بالإضافة إلى أن لجان التحكيم تختلف ذائقتهم الأدبية، ويتفقون على الروايات الفائزة بنسب بسيطة جدا، وهذا لا يمكن أن يكون أسلوبا صحيحا لاختيار أفضل الأعمال، خاصة أن هناك اعتبارات سياسية وإقليمية تتدخل فى تحديد الأسماء الفائزة. الأهم من ذلك، هو ما قلته عن تعمد الروائيين كتابة الأعمال للجوائز، فهؤلاء يهتمون بالجوائز على حساب مستوى الأدب الذى يكتبونه. أما لو أردنا الاحتفاء بالروايات الجيدة بالفعل، فعلينا بترجمة هذه الروايات وإعطائها لدور نشر أجنبية، فسيتيح لنا ذلك اختيار أفضل الأعمال بالفعل، كما سيحقق لأصحابها مردودًا أدبيًا وماديًا أكبر من الجوائز. رأيى هذا يتفق مع مواقف كثير من الكتاب العالميين الكبار، فهناك أدباء رفضوا جائزة نوبل، بل رفضوا حتى مجرد تلقى التهنئة عليها، وهناك أدباء آخرون فازوا بالجائزة ولم يعد أحد يعرف عنهم شيئًا بعد ذلك.