ربما تكون المرة الأولى التى أؤيد فيها قرارا للدكتور على المصيلحى وزير التموين، إذ اعتدت فى هذه المساحة, لعدة سنوات منذ توليه منصبه الوزارى لأول مرة قادما من رئاسة هيئة البريد, أن أكسبه لقب سبارتكوس محرر الدقيق وقت أن أصدر قرارا بتحرير سعره. ولأننا اعتدنا على الدعم سواء لمن يستحق من محدودى الدخل أو لا يستحق, فإن قرار تنقية البطاقات التموينية من غير المستحقين وقصرها على غيرهم من محدودى الدخل قد قوبل بغضب من جانب البعض غير أنه للحقيقة فإن المعايير والمحددات الخمسة التى جرى إقرارها لضبط منظومة الدعم السلعى والخبز، تعد عادلة إلى حد كبير, إذ تقضى بقصر عملية الحذف على مَن يستهلك كهرباء بقيمة أكثر من 650 كيلووات شهريًّا، ومَن تتعدى فاتورة هاتفه المحمول ال800 جنيه شهريًّا، ومَن تزيد مصاريف الطفل الواحد لديه فى المدارس الدولية والأجنبية على 30 ألف جنيه ومَن يمتلك سيارة فارهة من موديل 2014 وحتى الآن، وموظفى المناصب العليا مع ترك حق التظلم لأى مواطن. وأمهلت الوزارة المواطن الذى سيتم استبعاده 15 يومًا للتظلم قبل تنفيذ قرار الاستبعاد، على أن تدرس التظلمات التى سيتقدم بها من يرى أنه من المتضررين، وأنه لا مساس بأصحاب المعاشات فى بطاقات التموين، ولن يتم حذف أحد منها وفق تأكيداتها. وعلى الرغم من أن المرحلة الثانية لحذف غير المستحقين للتموين قد بدأت مطلع مارس الحالى، فإنها لم تشهد إيقاف أى بطاقة سواء لصرف الخبز أو التموين حتى الآن وفقاً لتأكيدات اللواء عمرو مدكور، مستشار وزير التموين لتكنولوجيا ونظام المعلومات. وأمهلت الوزارة أصحاب البطاقات المنتظر إيقافها حتى مطلع شهر إبريل المقبل لصرف الخبز والتموين إلى أن تظهر رسالة مفادها أنه سيُجرى إيقاف البطاقة عن صرف السلع التموينية فقط دون الخبز, مع توضيح سبب الإيقاف, لحين إقرار مجلس النواب لموقف صرف الخبز. اللافت للنظر أن ثلاثة من معايير الحذف الخمسة تعد موضوعية ومحدد مفهومها تماما غير أن هناك اثنين من هذه المعايير يعدان مطاطين ومن الصعب ضبط تحديدهما وهما ما يتعلق بامتلاك سيارة فارهة بدءًا من موديل 2014 وشاغلى المناصب العليا، إذ انهما يعدان معيارين نسبيين فما يراه البعض سيارة فارهة ربما يراها الآخرون عادية, وما يعتبره البعض منصبا عاليا يعد مجرد وظيفة عادية اكتسبت صفة شرفية, وكان من الأجدى والأدق تحديد السعة اللترية إلى جانب موديل وماركة السيارة لاعتبارها فارهة, وأيضا الحد الأدنى لمرتب شاغل الوظيفة العليا.. واللافت أكثر للانتباه أن الحذف سيقتصر فقط على السلع التموينية دون الخبز الذى سيستمر صرفه إلى حين أن يصدر مجلس النواب قرارا فى شأنه وهو ما يؤكد اعتراف الوزارة بأهمية الخبز وبخاصة للفئات المحدودة الدخل.. فإذا كانت الوزارة مقتنعة بذلك الأمر فلم يتم الحذف؟ وإذا كانت غير مقتنعة فلم يتم الاستمرار فى صرف الخبز؟!. وفقا للموروث الغذائى فلرغيف الخبز موقع مهم على مائدة المواطن مهما كان مستواه الاقتصادى ومركزه الاجتماعى سواء كان ذلك الذى ينحى جانبا الشوكة والسكين المدموغة بشعار ماركة عالمية بعد ان يفرغ من تناول طعامه, أو هذا الذى يمسح بقطعة عيش بقايا فول علقت بجدران صدئة لطبق صاج فور أن أنهى أطفاله سباقهم المحموم للفوز بغموس!. وفى بيان يمكن وصفه بأن ظاهره رحمة وباطنه عذاب ناشد محمود العسقلانى رئيس جمعية «مواطنون ضد الغلاء» الحكومة بعدم المساس برغيف العيش، مشيرا إلى أن رئيس الدولة أطلق قبل أسابيع مبادرة حياة كريمة لتخفيف المعاناة عن الطبقات الفقيرة التى تعرضت لظلم اجتماعى فى السنوات الماضية جراء التحولات الاقتصاديه القاسية خاصة وهو عكس ما تنفذه الحكومة وكأن هناك التفافا على المطلب الإيجابى لرئيس الدولة!. وفى لهجة لا تخلو من تهديد غير مباشر وجه العسقلانى ما سماه مناشدة عاجلة الى رئيس مجلس الوزراء بأن تعيد الحكومة النظر فى القرار حتى لا نغضب الغلابة ونهدر حالة السلام الاجتماعى التى تعيشها البلاد رغم قسوة الحياة عقب هذه التحولات الإقتصاديه القاسية عليهم!. واضح تماما أن كل ما يستهدفه هذا البيان هو انتزاع تصفيق المواطنين, فمعايير إلغاء البطاقة التموينية لا تمس من قريب أو بعيد محدودى الدخل اللهم إذا كان العسقلانى يرى أن كل من ينفق 800 جنيه شهريا على مكالمات المحمول لا طائل من ورائها سوى الرغى والتظاهر وأن من قيمة استهلاكه 650 كيلو وات من الكهرباء هو غلبان يستحق الشفقة أولا ومن بعدها الدعم وهو ما لا يتفق مطلقا مع ما تستهدفه مبادرة السيسي!. صحيح أن فاتورة الاصلاح الإقتصادى أرهقت الجميع بدرجات متفاوتة إلا أنها لم تصل إلى ما وصل إليه بيان العسقلانى من معايير تحديد مستحقى الدعم.. ولك يا أحلى اسم فى الوجود ولمواطنيك السلامة دائما. لمزيد من مقالات عبد العظيم درويش