* الإهمال يعجل بخراب الأمم..والمقصرون يأكلون أموال الوطن بالباطل * التوثيق يحد من الطلاق..والاختلاف فى الفتوى مرونة وليس اضطرابا
أكد الدكتور محمد نبيل غنايم أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة،أن جميع المبادرات الإنسانية، التى أطلقها الرئيس عبدالفتاح السيسى، نابعة من التشريع الإسلامي، وهى بمنزلة ملاذ المهمشين والفقراء والفئات الضعيفة بالمجتمع. وحذر غنايم من الإهمال والتكاسل فى أداء الواجبات والمسئوليات، واعتبرهما سببا لهلاك الأمم وخرابها. وفى حوار ل «الأهرام» شدد د. نبيل غنايم على ضرورة توثيق الطلاق..كما تطرق لعدد من القضايا كالتعامل مع البنوك والاختلاف فى الفتاوى وتجديد الخطاب الدينى .. والى نص الحوار. كيف ترى المبادرات الإنسانية التى أطلقها الرئيس؟ جميع المبادرات الإنسانية التى أطلقها الرئيس للفئات الفقيرة أو الضعيفة أو المريضة مثل «حياة كريمة»، و «100 مليون صحة» و «نور حياة» وغيرها، تنبع من صميم التشريع الإسلامى الذى يحض على تحقيق التكافل انطلاقا من قوله تعالى «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان».. لأن الإسلام يدعو إلى الأمة الواحدة المتماسكة فى قوله تعالى «واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا» وينظر إلى المجتمع كله كالجسد والإنسان الواحد إذا اشتكى منه عضو شاركه الجميع بالإحساس بالألم والسهر على علاجه ورعايته، لقول النبى صلى الله عليه وسلم «مثل المؤمنين فى توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». كما أن هذه المبادرات تكفل لمن ينضوى تحتها الحياة الكريمة التى يثبتها القرآن فى قوله تعالى «ولقد كرمنا بنى آدم وحملناهم فى البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا». فبدون الحياة الكريمة لن تكون هناك كرامة، ودون الصحة لن تكون هناك حياة، ولا عمل ولا إنتاج، وبدون صحة الإبصار لن تتحقق القدرة على أداء العمل المطلوب والسعى على الرزق، فقال صلى الله عليه وسلم: «المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف». ومن هذه النصوص وغيرها نجد الإسلام يدعو إلى التكافل والحياة الكريمة، ويحث على رعاية الجار والأقارب والأرحام من ذوى الحاجات حتى يقول صلى الله عليه وسلم «والله لا يؤمن (ويكررها ثلاثا).. من بات شبعان وجاره جوعان وهو يعلم». ومن أجل تحقيق هذه المعانى والقيم فرض الله تعالى الزكاة على الأغنياء يعطونها للفقراء، كذلك أمر الله تعالى وحث على التطوع بالصدقات وضاعف عليها الأجر والثواب، وجعل لولى الأمر الحق فى أن يفرض فى أموال الأغنياء ما يتسع لحاجات الفقراء إذا لم تكفهم أموال الزكاة، فقال تعالى «خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها».. لذا فواجبنا جميعا أن نساند تلك المبادرات ونتفاعل معها، كل حسب طاقته وإمكاناته. ما موقف الإسلام من الإهمال؟ الإهمال هو تفريط فى الواجب والحقوق، وهو نوع من الظلم وزيادة، أما أنه من الظلم فلصاحبه، أما أنه وزيادة على الظلم، فللأضرار التى تقع على الآخرين من جراء هذا الإهمال، فضلا عن الخسائر التى تطول الإنسان والبنيان وتبيد الأرواح والأموال. وللإهمال صور متنوعة منها إهمال الزوجة والأولاد والإهمال فى العمل وفى التعامل مع الأشخاص أو التعامل مع الأشياء أو الإهمال فى فرائض الله .. وأعظم صور الإهمال التى يتعدى ضررها للغير كالإهمال فى إنشاء عمارة سكنية أو فى قيادة مركبة جماعية كما تابعنا أخيرا فى حادث قطار محطة مصر. وكل صور الإهمال ممقوتة، لأن كل إنسان مسئول، لقول النبى صلى الله عليه وسلم «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته...» فالمهمل خائن لله مضيع للأمانة التى استرعاه الله عليها، من زوجة أو أولاد أو مصالح الناس، أو حتى البهائم...فكل ذلك أمانة فى عنق أصحابها. والإهمال جريمة من الجرائم الكبرى لما يترتب عليه من أضرار متنوعة ومركبة أحيانا.وقد كان النبى صلى الله عليه وسلم ينهى عن كل ألوان الإهمال والتكاسل، واعتبر القرآن التكاسل آية من آيات المنافقين، فقال تعالى «وإذا قاموا إلى الصلاة قاموا كسالي»، وذم السهو باعتباره نوعا من التكاسل فقال «فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون»..وإذا كانت هذه العقوبات على من يهمل شيئا يخصه هو، فكيف بمن يؤدى إهماله وكسله إلى إزهاق أرواح أبرياء وإصابة آخرين! «على قد فلوسهم» عبارة كثيرا ما يرددها البعض مبررا بها تقصيره وإهماله؟ أصحاب هذه المقولات مخطئون ومزاعمهم باطلة، فمن ارتضى عملا معينا عليه أن يتقن هذا العمل، سواء كان الراتب كبيرا أو صغيرا، وإلا فعليه أن يستقيل، وإن كانت له مظلمة يرفعها إلى من فوقه دون أن يقصر فى عمله...أما أن يؤدى بعض ما عليه ويهمل فى باقى المهام، فهذا لا يجوز شرعا، فأمثال هؤلاء يأكلون أموال الوطن بالباطل، لأن ضعف الأجر لا يبرر التكاسل أو الإهمال فى العمل. سواء أكان هذا الاهمال صغيرا أم كبيرا من وجهة نظر صاحبه، ف «معظم النار من مستصغر الشرر» وقديما قال أجدادنا (بيت المهمل يخرب قبل بيت الظالم). كيف نحد من ارتفاع نسبة الطلاق فى مصر.. وهل التوثيق حل؟ كثرة الطلاق تخضع لعوامل كثيرة، أهمها سوء الاختيار والجهل بالواجبات الزوجية مع تدخل الأهل وافتقاد فن إدارة الخلافات الزوجية.. هذا بالإضافة إلى الظروف المادية الضاغطة وعدم التكافؤ البيئى والثقافى فى بعض الأحيان. ولمجابهة الطلاق لابد من تلافى تلك الأسباب. أما التوثيق فهو ضرورى جدا، ويعتبر سببا أو دافعا لتقليل نسبة الطلاق، لأن الزوج حين يستدعى المأذون والشهود سيسمع نصائح من هنا ومن هناك وقد يتراجع عن الطلاق ويتم الصلح.. وهذا لا يعنى أن الطلاق الشفوى لا يقع، فالطلاق الشفوى يقع مادام قد صدر من زوج مكلف عاقل رشيد، لكن التوثيق مهم حفظا لحقوق المرأة والأطفال. أحيانا نجد أكثر من إجابة للسؤال الواحد بين العلماء، حتى فى إذاعة القرآن الكريم، مما يضع السائل فى حيرة: أين الصواب؟ هذا لا يحدث اختلافا أو اضطرابا، ولا يضع السائل فى حيرة، لكنه دليل على سعة الفقه الإسلامى وهو رحمة للأمة، فمن يشاء أخذ بالرأى الذى قاله (فلان) أو الفتوى التى قالها آخر، وقد مر المسلمون فى عصورهم السابقة بمثل هذا الاختلاف، ولم يؤد ذلك إلى بلبلة أو اضطراب كما يشيع الناس هذه الأيام، لكنه كان رحمة للأمة، فالاختلاف رحمة وخير، مادام صادرا عن علماء فقهاء معتبرين، وهو دليل على مرونة التشريع الإسلامى وصلاحيته للتطبيق فى كل زمان ومكان وأمام هذا الاتساع والشمول الخيارات موجودة وعلى المستمع أو المستفتى الاختيار. لا يزال هناك جدل حول التعامل مع البنوك: حلال أم حرامّ.. ما تعليقكم؟ ومتى يكون الاقتراض ربا؟ معاملات البنوك الحالية معظمها استثمار وتمويل للمشروعات الصغيرة، وكل ذلك حلال وقد قدمنا لكثير من البنوك الصيغ الشرعية المناسبة للمعاملات مثل المرابحة والمضاربة والاستصناع والمشاركة والبناء والتعمير إلى غير ذلك من الصيغ الشرعية، وقام كثير من البنوك بتطبيقها وإجراء العقود عليها، وهى حلال لا شك فيه. أما النوع الثانى من المعاملات القائم على القروض والفوائد فهذا نوعان: النوع الأول يلجأ إليه العميل، لضرورة من ضرورات الحياة، وهنا يكون القرض بالنسبة له حلالا بسبب الاضطرار والضرورة لقوله تعالى (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه)..أما النوع الثانى فهو القرض لتنمية المصانع وكثرة الأموال وتضخمها، فهذا غير جائز حيث لا ضرورة لذلك، فالمصنع ينمى نفسه والأرباح تنمى رأس المال.. وفى هذه الحالة الاقتراض حرام، لوضوح النص فى ذلك حيث قال الرسول صلى الله عليه وسلم (كل قرض جر نفعا فهو ربا). باختصار..ما الذى نحتاجه فى تجديد الخطاب الدينى؟ نحتاج إلى أن يقتصر الأمر على أهل الاختصاص والمسئولية، كل فى مجال تخصصه، على أن تكون المرجعية الكبرى فى مصر للأزهر الشريف ولغير المسلمين البابا تواضروس، على أن يكون التجديد فى الوسائل وليس النصوص، وأن تتيح أجهزة الإعلام المتعددة المقروءة والمسموعة والمرئية الفرصة للعلماء المختصين لبيان طرقهم فى هذا التجديد.