«إنهم خونة لا يؤتمنون» هكذا عنون الرئيس التركى رجب طيب أردوغان غضبه الجم وهو يصبه صبا على رؤوس من كانوا رفقاءه بل شركاءه المؤسسين فى بناء الكيان السياسى الذى انفرد به بعد أن أطاح بهم واحد تلو الآخر، وفى إحدى خطبه الشعبوية غير المسموح التعليق عليها بشكل سلبى أو انتقادها، انطلقت من مدينة توكات وسط الأناضول شتى النعوت القاسية والإسقاطات المهينة، ضد الأصدقاء أولا ثم الخصوم ثانيا. فى البداية قال: «هناك بعض الأشخاص الذين بدأنا هذا المشوار معهم ، كانوا سعداء ومرتاحين عندما منحناهم مناصب عديدة، لكن جاء وقت قلنا لهم تنحّوا جانبًا لتستريحوا قليلًا وتفسحوا المجال للزملاء الجدد، فإذا بهم نزلوا من قطارنا ليركبوا قطارًا آخر.. سلوك لا يليق بالمؤمنين بالدعوة والرسالة ذاتها وبمن يتقاسمون القدر نفسه، فالذين يخونوننا اليوم سيخونون غدًا مَن يذهبون إليهم أيضًا». طبعا تجنب ذكر الأسماء لا خوفا منهم فهو قادر على سحقهم بل والتقليل من شأنهم «بحسب ما يحلو لمؤيديه أن يرددوا». وقائمة من صاروا فى خانة الأعداء طويلة يأتى على رأسها سلفه عبدالله جول، ورئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو وسلجوق أوزداغ النائب السابق عن حزب العدالة والتنمية الحاكم وغيرهم من القيادات البارزة. المثير أنه هو نفسه ومعه تلك الأسماء أو معظمها سبق وانشقوا جميعهم من حزب الفضيلة الذى قاده الراحل نجم الدين أربكان، أبو «الإسلام السياسى» فى الجمهورية الكمالية العلمانية، وكانت حجتهم آنذاك التغيير والديمقراطية هروبا من السلطوية الاربكانية. ثم راح ينتقل إلى ترديد مقولاته التى لم يعد يمل من تكرارها داعيا مناصريه أن يقدموا الدعم له حتى نتمكّن من إفساد الألاعيب وإحباط المؤامرات والتصدى لهؤلاء بمن فيهم الخارجون عن طاعته الذين يريدون «إسقاط اقتصادنا عبر التنظيمات الإرهابية». كل ذلك جاء على خلفية معلومات حقيقية وليست تخمينات نقلتها صحيفة جمهوريت عن الكاتب الصحفى البارز فاتح الطايلى الذى قال إن رئيس الوزراء الأسبق احمد داود اوغلو شرع بالفعل فى تأسيس حزب جديد ، وأضاف الطايلى أن دواد أوغلو أسس 40 مكتبا لحزبه الوليد فى عدد من مدن البلاد، مؤكدا إن أعلان الحزب بات قريبا جدا، وهناك شخصيات شهيرة وأسماء مهمة انضمت إليه وخلال اسابيع قليلة سيقدم داود اوغلو طلبا رسميا لوزارة الداخلية تمهيدا لبدء الممارسة الحزبية . الطايلي أشار ايضا إلى أن الرئيس السابق عبدالله جول، يشاركه نائب رئيس الوزراء الأسبق على باباجان بصدد تشكيل حزب جديد غير أن هذا يعتمد على نتائج الانتخابات المحلية القادمة، ففى حال أخفق العدالة الذى يتزعمه أردوغان سيتم تدشينه وسط توقعات أكيدة بانضمام عدد لا بأس به من نواب الحزب الحاكم. لكن فى كل الأحوال وهذا وفقا للطايلى سيسبق داود اوغلو كلا من عبد الله جول وباباجان فى الكشف عن تشكيلة حزبه الجديد وهو فى ذلك يحدوه أمل أن ينضم الاثنان إليه بدلا من تشكيل حزب آخر. وهنا لفت مراقبون الانظار إلى أن هذا الحزب الذى لا يزال بصدد التأسيس والتشكيل، ولم يتم الافصاح عن اسمه بعد، قد يشكّل منافساً شرساً لحزب العدالة والتنمية كونه يعتمد على ذات القاعدة الشعبية نفسها التى ينطلق منها الأول، إضافة إلى ذلك فإن قيادات الحزب الجديد تعلم تماما أساليب أردوغان لأنها عملت معه لسنوات، ومن ثم يمكنها التعاطى معها بشكل واعٍ ومسئول، ما يزيد من قلق أردوغان وحزبه. ورغم ادعائه بأن الأمر لا يهمه فإن تلك الخطوة أضافت مزيدا من الهواجس خاصة أنها تتزامن مع استطلاعات للرأى أجمعت معظمها على انه فى تراجع ، وهو ما جعله يزيد ليس فقط من جولاته الانتخابية بل إغراق المواطنين بالوعود الاقتصادية البراقة التى يعلم أنها مستحيلة التحقق. وعوضا عن خيبة الأمل فى أصدقائه الرافضين سطوته تصور أن تحالفه مع القوميين سوف يجلب له الثقة والاطمئنان، ولكن هيهات بيد أن هذا الأخير صار مدعاة للقلق وهو ما أشارت إليه الكثير من التحليلات الصحفية، فاستنادا لجولات ميدانية شملت مدنا كبرى وقرى مختلفة شرقا وغربا تبين أن الأصوات التى سيحصل عليها تحالفه المشكل من الأحزاب الموالية له فى تناقص يوما بعد آخر وهذا يعود إلى الطبيعة الخاصة لماراثون البلديات الذى سيجرى نهاية الشهر الحالى وهو أمر جد مختلف عن الانتخابات البرلمانية أو الرئاسية والسبب بسيط، وهو أن الناخب التركى تعوَّد فى الماضى أن يدلى بصوته لمصلحة حزب بعينه. لذلك فالسؤال الذى يطرح نفسه هنا: هل سيلتزم الناخب بالاتفاق الذى أبرمه حزبه ويصوت لمرشح ينتمى لحزبٍ آخر أم لا؟. الإجابة هى أن «الانتماء الحزبي» أو «الولاء للحزب» هو الذى سيتغلب فى النهاية كما قال الكاتب البارز فهمى كورو الذى اضاف ايضا أنه رغم قيام العدالة والتنمية الحاكم بالاستعاضة بمسمى آخر ألا هو «أخوة التحالف» فإنه لن يفلح فى جلب اصوات من لا ينضمون إليه.