هذه الجرائم تهتز لها السماء من فعلها والتي طرأت علي مجتمعنا في الآونة الأخيرة فكل الأديان تحث علي معاملة الآباء معاملة حسنة بل نهي الدين الإسلامي الحنيف عن التلفظ بإية ألفاظ خارجة أو جارحة للآباء وقال في محكم كتابه العزيز ولا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما صدق الله العظيم. فقد وصل جحود بعض الابناء لآبائهم إلي درجة قتلهم أمام المارة في الشوارع الرئيسية لأتفه الأسباب حدث هذا في الاسبوع الماضي في الجيزة بقيام شابين بذبح والدهما أمام المارة بحجة سوء معاملتهما.. ما أسباب هذه الحوادث الغريبة علي مجتمعنا المصري! هل السبب هو ظاهرة الانفلات الأمني؟ وما رأي علماء الاجتماع؟ الحادثة التي هزت الرأي العام بطلها شقيقان ذبحا والدهما لرفضه الانفاق عليهما وسط ذهول المارة ولم يتركاه إلا بعد أن تأكدا من وفاته, قام الأهالي بإبلاغ الشرطة التي ألقت القبض عليهما واعترفا بأن الدافع هو الانتقام منه لعدم انفاقه عليهما علي الرغم من ثرائه فاتفقا علي الترصد له عند خروجه من المنزل الذي طردهما منه. الشقيقان قالا في التحقيقات أن والدهما اعتاد علي الاعتداء بالضرب وتعذيب ثلاثة من بناته المقيمات معه في المنزل. المارة أصيبوا بحالة من الذعر عندما شاهدوا تلك الجريمة, ولم يبد المتهمان أي ندم علي جريمتهما. حادث مأساوي آخر شهدته مدينة القناطر الخيرية حينما مزق قهوجي جسد والده وتركه ينزف وتم نقل المصاب بين الحياة والموت إلي مستشفي القناطر الخيرية وألقي القبض علي المتهم وأخطرت النيابة وتولي مؤمن صلاح الدين رئيس نيابة القناطر التحقيق وكشفت التحقيقات عن أن المجني عليه طلب من ابنه تنظيف المقهي الذي يعمل فيه فثار عليه الابن ثورة عارمة واستل سكينا وانهال عليه طعنا. هذه الظواهر الفردية الغريبة أرجعتها الدكتورة هالة منصور أستاذ علم الاجتماع بجامعة بنها إلي عدة أسباب وأولها شيوع ثقافة العنف بسبب تصرفات المجتمع بأسره وأصبح حالة تكرارها شيئا عاديا بالنسبة لحوادث القتل التي أصبحت أحداثا معتادة, وبالنسبة للأبناء فالتربية حدث فيها خلل كبير علي مدار سنين طويلة اختلت فيها قيمة الأب والأم وتراجع دورهما وتشعب الحقد الطبقي داخل الأسرة وأصبحت كل العلاقات مبنية علي حقوق فردية وأنانية بدرجات كبيرة وتلاشي منطق الواجبات اذا ارتبط ذلك بقسوة الظروف وقسوة التربية تحول الرصيد من العنف المخزون والاضطهاد الخفي من كل طرف تجاه الاخر, فالأب والأم المطحونين لتوفير حد أدني من الحياة لأولادهما ومعاناتهما السديدة في سبيل ذلك تشعرهم داخليا بأن أولادهما سبب مباشر في إذلال المجتمع لهما وفي نفس الوقت الأبناء ينظرون إلي الأبناء المرفهين في طبقات أخري فينشأ داخلهم شعور خفي بأن سر تعاستهم ومعاناتهم أنهم أبناء لتلك الأسر الفقيرة مما يراكم الشعور بالاضطهاد والكراهية لتلك الظروف التي قد تتحول في لحظة إلي عنف تجاه هذا الأب أو الأم التي تتجسد فيه رمزية تلك الظروف, ففي بعض الأحيان يترجم ذلك القهر في شكل عنف يوجه تجاه هذا الأب أو الأم وإذا راجعنا حوادث قتل الأبناء خلال الفترة الأخيرة أو قتل الآباء والأمهات ستجد أنها جميعا مرتبطة بقسوة الظروف مع قوة القهر والمعاناة وارتفاع ثقافة العنف والتعود علي مشاهد القتل والبلطجة ومواجهة جميع المشكلات بالعنف دون حساب وهو الأمر الذي ارتفعت معدلاته بعد الثورة وحتي الان نتيجة للفراغ الأمني وضعف المعايير المجتمعية كحالة طبيعية في فترة الانتقال بعد الثورة والحل لمعالجة مثل هذه الظواهر الدخيلة علي مجتمعنا المصري الأمر الذي يستوجب النظر للمجتمع بمنطق علمي سليم واستدعاء كل المتخصصين في علوم الاجتماع والنفس ووضعهم أمام مسئوليتهم المجتمعية في رصد وتشخيص وتحليل تلك الظواهر كخطوة أساسية لبناء استراتيجيات وأسس مواجهة تلك الظواهر كخطوة أساسية لبناء مجتمع جديد يتمتع بالأمان كمفهوم أشمل من الأمن يدعم شخصيتنا المصرية السوية لتتمتع بمجتمع مصر الجديدة التي نحلم لها جميعا والذي لن يترسخ إلا من خلال أسرة سوية قوية تستطيع أن تدعم هذا المجتمع وتستمتع بحياتها في ظلاله لتتحول هذه الجرائم الي حالات فردية واستثنائية نادرة ولا تمثل ظواهر اجتماعية.