السرد جنس أدبى قديم عرفه الإنسان من الأزل، وكان نمطا من أنماط التعبير اللغوى التى اهتدى إليها الإنسان حين كان يخرج فى الصباح الباكر سعياً وراء رزقه ثم يعود فى المساء يحكى لأسرته وقبيلته كل المغامرات التى صادفها فى يومه للتسلية والسمر. ويؤكد علماء الآثار والمصريات أن فن السرد كان منتشرا فى بلاد النوبة فى العصور القديمة، وتم اكتشاف حكايات نوبية مكتوبة على الجدران باللغتين المصرية القديمة والقبطية، توارث النوبيون فن السرد الذى انتعش مع مرور الزمن حتى أصبح فى القرن العشرين سيد الفنون الشفاهية وملمحا أصيلا من ملامح تراثهم الثقافي، وتصدرت السيدات المسنات مقاعد الراويات فى كل قرى النوبة القديمة، وجرت العادة أن الراوية لا تبدأ الحكى وخيطا من نور الشمس يسطع فوق أرض القرية حتى لا تصاب بالعمى حسب المعتقد الجمعى لأهل النوبة، ومن أشهر السيدات الراويات فى النوبة القديمة السيدة زينب كوتود جدة الأديب والكاتب النوبى إبراهيم شعراوي، والسيدة صفية يعقوب من قبيلة حمدون قرية أبو حنضل، وهى جدة الشاعر النوبى طه أمين، والسيدة عائشة شيخ من قرية قرشة وهى والدة الشيخ أحمد حمزة طاهى المفكر والكاتب العملاق عباس محمود العقاد. ويمكن تقسيم الحكايات النوبية إلى ثلاث مجموعات، الأولى الحكايات الشعبية النوبية التى تصور واقع الحياة فى بلاد النوبة معتمدة على الوقائع المعيشية والمألوفة للإنسان النوبى وتلمس القيم الاجتماعية والخلقية السائدة، وذهبت إلى أبعد من ذلك وغاصت فى أعماق الوجدان النوبى وصورت رأيه ومعتقداته، ويمكن القول إن هذه الحكايات الشعبية ما هى إلا صورة مطابقة للبيئة والمناخ النوبى الذى تميز فى تلك الفترة الزمنية بالبراءة والنقاء، فلم نجد فى الحكايات أى صورة من صور القتل أو السلب والنهب أو الاعتداء، حيث خلت النوبة القديمة قبل التهجير من تلك النقائص والجرائم. المجموعة الثانية الحكايات الخرافية، وخرافة فى بعض روايات علماء اللغة العربية اسم رجل استهوته الجن فكان يحدث بما رأى فكذبوه وقالوا حديث خرافة ...والحكاية الخرافية قد تكون واردة من بيئة مختلفة عن المجتمع النوبى فتطوعها الراوية بتصرف منها لتناسب البيئة وتلغى ما يخالف قيم أهل النوبة، والحكاية الخرافية، بطبيعتها تتكون من مقاطع ووحدات منفصلة، فيسهل حذف بعضها أو تقديم وحدة على أخرى دون أن يصيب ذلك الإطار الفنى للحكاية، والعنصر الزمنى مفقود فى الحكاية الخرافية وكذلك الترتيب المنطقي، ولا تتضمن أى موضوع نفسى أو ترتبط بالآلهة والأرواح والحذف، واختصار الحكايات يكون غالباً فى موسم الزراعة والحصاد حيث انشغال النوبيين عن جلسات السمر والتسلية، وهذا النوع من الحكايات الخرافية يبهر ويستهوى المتلقين لما فيها من خيال وعوالم الجن والمردة والسحر والأقزام. وأما المجموعة الثالثة فهى الحكايات الشعبية العربية، مثل أبوزيد الهلالى والزير سالم، وغيرهما ، وهى لاتمس المجتمع والبيئة النوبية ولكن الراوية تجد فيها ما يلائم المتلقى النوبى من قيم ومبادئ نبيلة، مثل الشهامة والفروسية والنخوة وشرف الكلمة. والحكايات النوبية بأقسامها الثلاثة موروث ثقافي، وبقايا طقوس وأساطير وقيم تبين أساليب أهل النوبة البسيطة لتحقيق آمالهم وتصوير أحاسيسهم، وسعيهم الدءوب نحو عالم أفضل. عبد المجيد حسن خليل أديب نوبى