حينما يجتمع قادة وزعماء وملوك ورؤساء 50 دولة فى قمة دولية تقام على أرض الكنانة مصر، فإن ذلك، بكل تأكيد، يعد حدثاً مهماً بكل المقاييس بل يحمل فى طياته رؤى واضحة ودلالات لا تقبل الشك بأن مصر باتت تتبوأ المكانة الدولية التى تستحقها، فضلاً عن تلك الرسائل التى بعثت بها مصر الى جميع انحاء العالم. لقد تجلت روعة المكان وعظمة الزمان فى هذه القمة.. ولأنها أقيمت فى مدينة شرم الشيخ، فقد جاء المكان فى قلب مدينة السلام، بينما الزمان يتمثل فى توقيت الانعقاد الذى تم اختياره بمنتهى الذكاء، حيث جاءت القمة عقب حدثين مهمين بل يمكن أن نعتبر هذه القمة مكملة لهما، فالحدث الأول هو قمة الاتحاد الافريقى بأديس ابابا التى شهدت تسلم مصر رئاسة الاتحاد الافريقى.. بينما الحدث الثانى فهو الذى لم يمض عليه سوى بضعة أيام وهو مؤتمر ميونيخ للأمن الذى اقيم فى المانيا وكان بمثابة روشتة علاج عالمية وضعها قادة الأمن فى العالم من اجل مواجهة خطر الارهاب. كانت القمة العربية الأوروبية، بشهادة الجميع، مليئة بالأحداث المهمة، حيث تخللها الكثير من اللقاءات التى حرص عليها الرئيس عبدالفتاح السيسى، فجاءت لقاءاته على هامش القمة مع ملوك ورؤساء وزعماء العالم خير دليل على العلاقات القوية التى تربط بين مصر وبين مختلف دول العالم بل كانت تجسيداً حقيقياً على عمق الرؤية المصرية باعتبارها شريكاً فاعلاً وأساسيا فيما يجرى من احداث سواء على المستوى الاقليمى او المستوى العالمى وبالتالى فإن ذلك عكس بوضوح وبشكل لافت للنظر قيمة ومكانة مصر الدولية وقدرتها على تنظيم مثل هذه القمة التى ارتكزت فى المقام الأول على عدة أسس ومنطلقات قوية استهدفت تعزيز التعاون بين دول اوروبا وشركائها من الاقطار العربية فى عدة مجالات كالتجارة والاستثمارات وتنظيم الهجرة والأمن ومشكلة تغيّر المناخ إلى جانب مشكلات المنطقة مثل القضية الفلسطينية وعودة الاستقرار إلى كل من ليبيا وسوريا واليمن. وفى تقديرى فإن أهمية هذه القمة ترجع الى أن طرفيها يمثلان 12% من سكان العالم وهى نسبة يجب على الجميع ان يضعها فى الاعتبار، كما استوقفنى فى تلك القمة أن قضية الهجرة شكلت تحدياً كبيراً لكل من الاتحاد الأوروبى والدول الأعضاء فى جامعة الدول العربية، خاصة أن نسبة الوافدين منها إلى أوروبا تشكل ما يقارب الثلث وذلك وفقاً لتقارير المجلس الأوروبى، كما أن بعض الدول الاعضاء فى الجامعة العربية تستضيف نسبة كبيرة من اللاجئين الذين جرى النقاش حول كيفية حمايتهم ودعمهم وفقاً للقوانين الدولية وتعزيز مكافحة الهجرة غير المشروعة وشبكات مهربى البشر. كما لا يمكن بأى حال من الأحوال تجاهل تلك الرسائل التى تضمنتها قرارات القمة، حيث جاء فى البيان الختامى أن التعاون الإقليمى سيكون مفتاح الحل للتحديات المشتركة بين الطرفين وتبادل الخبرات وتعميق الشراكة الأوروبية العربية من أجل تحقيق الطموحات المشتركة وتعزيز السلام والاستقرار والازدهار إلى جانب ضمان تحقيق الأمن وتعزيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية والحرص كل الحرص على خلق فرص مشتركة خاصة للنساء والشباب. ولم تكن قضية التنمية المستدامة بمنأى عن اهتمامات القمة العربية الاوروبية، حيث جاءت قراراتها متضمنة المطالبة بالدعوة الى التعاون الإيجابى فى مجالات التجارة والطاقة، ليس هذا فحسب، بل يأتى ذلك فى أمن الطاقة والعلوم والبحوث والتكنولوجيا والسياحة ومصايد الأسماك والزراعة وغيرها من المجالات ذات المنفعة المتبادلة وهى المجالات التى من شأنها زيادة معدلات النمو والحد من البطالة وبالتالى سيكون لها عظيم الأثر فى الاستجابة بشكل أفضل لاحتياجات الشعوب. لقد انتهت القمة ولكن لم ولن ينتهى ما تركته من أثر طيب فى مختلف أنحاء العالم باعتبارها القمة الاولى من نوعها والتى لم تترك موضوعاً يرتبط بالعلاقات العربية الأوروبية إلا وقد تم تناوله بشكل يليق بالحدث وهو ما نلمسه بوضوح فى الإجماع العام على أهمية الحفاظ على عدم انتشار الأسلحة النووية فى منطقة الشرق الأوسط والحرص أيضاً على مكافحة التعصب الثقافى والدينى والتطرف والتمييز العنصرى الذى يقف خلف التحريض على العنف ضد الأشخاص سواء كان ذلك يتم على أساس الدين أو المعتقد بما فى ذلك ما يحدث من خلال شبكة الإنترنت وعلى وجه الدقة وسائل التواصل الاجتماعى. ومن أهم الرسائل التى بعث بها الرئيس السيسى للعالم أجمع «أننا أمة تعى تماما اسمى معانى حقوق الإنسان وتدرك حق الإنسان فى مأكل صحى مناسب ومسكن مناسب وحياة كريمة وحرية وعدالة اجتماعية فى إطار ثقافة وظروف كل مجتمع، وكما نحترم ثقافة وتقاليد وأعراف المجتمعات الأخرى فعلى الآخر ان يحترم ويقدر ما تمر به المنطقة من ظروف وملابسات سقطت فيها دول وفقدت بسقوطها أبسط الحقوق فى الامن والأمان والحياة ، لذا فإن احترامنا لثقافة الأخرين يدعوهم لاحترام ثقافتنا وظروفنا وأعرافنا». لمزيد من مقالات د. حسن راتب