جاءني الأب يحمل فوق رأسه أثقالا من القلق والهموم ويسحب معه كرها ابنته63 سنة, وابنه الوحيد 14 سنة قال لي يائسا: هل يرضي الله عزوف ابنتي وابني عن مبدأ الزواج بتاتا.. فبعد أن ماتت أمهما وتركتهما لي أطفالا وعكفت علي تربيتهما وتعليمهما حتي تخرجا في الجامعة وعينا في وظائف محترمة.. وبلغا الاثنان سن الزواج من سنوات.. ولكنهما مصران علي عدم خوض تجربة الزواج خشية احتمالات الفشل, أسوة بكثير من الحالات المماثلة بهما في المجتمع. تباسطت مع الشاب وأخته ورحت أمزح معهما لعلي ألطف من هذا الجو المشحون بالمخاوف والاضطراب.. قلت لهما: في البداية لابد من التسليم بأن الزواج سنة من سنن الفطرة في هذا الكون.. لا يشذ عنها عالم الإنسان, أو عالم الحيوان أو عالم النبات.. فهو الأسلوب الذي اختاره الله لهذه الحياة.. قال تعالي ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون فإذا كنت تبحث عن السعادة فستجدها بإذن الله في رفيقة حياتك وشريكة عمرك يقول صلي الله عليه وسلم الدنيا متاع وخير متاعها الزوجة الصالحة رواه مسلم. وقال الصادق المصدوق ما استفاد المؤمن بعد تقوي الله عز وجل خيرا له من زوجة صالحة إن أمرها أطاعته, وإن نظر إليها سرته وإن أقسم عليها أبرته, وإن غاب عنها حفظته قال لي ساخرا يائسا: ومن يضمن لي أن من سأتزوجها ستكون صالحة؟.. ومالي أنا وهذا الكم الهائل من مشكلات الطلاق في هذه الأيام وما يتبعه من آلام مضنية أنا في غني عنها. قلت له يا بني أنا أشعر بك وأعذرك.. تعال نتعاون ونغير من وضع المجتمع وما أصابه من خلل في نواح عديدة.. لكم طالبت وأنا أعمل في التليفزيون بضرورة تدريس مادة الأسرة, والواجبات والحقوق لكلا الزوجين.. ومعني المسئولية وربطها بالرجولة والأبوة وأهمية الصبر.. وهذه التضحية والعطاء.. والأمل كبير في حكومة النهضة أن توجه وزراء التربية والتعليم إلي أهمية وضع منهج متكامل لاقامة الأسرة المصرية علي أساس من الأخلاق والدين في كل مراحل الثانوية العامة فثقافة بناء الحياة الزوجية مهمة للغاية لأن الأسرة هي نواة المجتمع الصالح.. فلابد أن نزرع في نفوس الفتيات أن مهمة الزوجة العمل علي تحقيق السكينة والاطمئنان والراحة للزوج, بأن تكون سكنا له, وحرثا له, وشريكة لحياته, وربة لبيته ولأولاده, ومهوي فؤاده, وموضع سره ونجواه, وأنها أهم ركن من أركان الأسرة فهي الراعية لهم جميعا, والمربية علي أسس أخلاقية ونفسية ففي أحضانها تتكون اتجاهات الطفل, وتتربي ملكاته ويتلقي جميع أنواع القيم, ويتعرف علي دينه وينشأ النشأة الاجتماعية المسلمة.. قاطعتني الفتاة كشأن نساء هذا الزمان, وقالت: دائما تركزون علي حقوق الذكورة وتهمشون حقوقنا وهذا ظلم نأباه وسنعمل علي تغييره!! قلت لها مقدرة لمعاناتها أيضا مهلا.. كما أن علي المرأة واجبات فعلي الزوج أيضا واجبات لا تقل عن واجبات المرأة إن لم تزد, أولها الانفاق عن طيب نفس ولين قول فالزوج مسئول عن المسكن, والمأكل, والمشرب, والكساء, ومصاريف تنمية المهارات والمدارك الرياضية والعلمية, والترفيه البناء, بل واحضار الخادمة يقول تعالي لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله..7 الطلاق. قالت الفتاة مقاطعة: أنت تتكلمين علي مثاليات لا وجود لها في واقع المجتمع.. فالرجل يتصف بالأنانية والغلظة وقسوة القلب وشح الكلمة الطيبة!! يا بنيتي إن الله أمرنا بالمعاشرة بالمعروف وبالحسني بين الزوجين فهل جزاء الإحسان إلا الإحسان06 الرحمن فالزوجة التي تحسن معاشرة زوجها لابد أن يقابل خلقها الجميل بأجمل منه.. ورب الأسرة الفطن يحرص علي ادخال السرور إلي قلب أفراد الأسرة وإشعارهم بالاهتمام والمشاركة بل وإغداق العواطف والمجاملات علي الزوجة.. وحث الأبناء علي طاعتها واحترامها.. والزوج الذكي يمتدح بذكاء زوجته أمام الأبناء لرفع روحها المعنوية.. ويقبل عليها ويدللها فالنساء يغرهن الثناء والمرأة في حاجة دائمة للملاطفة المداعبة فلا يهمل الزوج مع طول العشرة هذه الأمور غير المكلفة.. والتي تعكس البهجة والسرور علي الأبناء, وصدق رسول الله صلي الله عليه وسلم حين قال: ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم وأوصي في آخر كلماته في خطبة الوداع قائلا: استوصوا بالنساء خيرا فإنهن عندكم عوان أي أسيرات إنما اتخذتموهن بأمانة الله واستحللتموهن بكلمة الله فاستوصوا بالنساء خيرا.. اننا في حاجة ملحة لتغيير وجه المجتمع الذي فقد الكثير من قيمه الأخلاقية فهل نتعاون ونضع أيدينا في أيادي بعضنا ونعمل علي التغيير. إن الله لا يغير ما بقوم حتي يغيروا ما بأنفسهم..11 الرعد.