يثير فيلم «النائب» ضجة كبيرة فى جميع الأوساط السياسية والثقافية فى الولاياتالمتحدة وأوروبا وكانت فرصة سانحة أن يعرض بإحدى صالات السينما بالقاهرة.. لأنه يعيد للأذهان السياسة الأمريكية فى منطقتنا العربية خلال رئاسة جورج بوش الابن ويكشف حقائق مثيرة عن ألاعيب نائبه تشينى الذي انضم لحملة بوش الانتخابية عام 2000 ليفوز بفارق 537 صوتا. المنتج آدم ماككى لا يخفى ميوله إزاء الحزب الديمقراطى وكراهيته لتشينى والجمهوريين.. حيث يتناول فيلم «النائب» الحياة الشخصية وشباب بوش وتشينى وإحتساءهما الخمر وكيف أعادتهما زوجتاهما «لورا» و«لين» إلى الصواب بجانب قصة تعرف تشينى على دونالد رامسفيلد الذى قدمه للجمهوريين ولتكتل عسكرى صناعى كان يصفه روزفلت بأنه يخشى أن يؤثر على بنيان الهيئات الحكومية!.. ثم أصبح رامسفيلد أصغر وزير دفاع فى عهد فورد، ليختفى فى عهد كارتر ليعين فى إدارة ريجان عام 1983 مبعوثا خاصا للشرق الأوسط وليعلن مساندة الولاياتالمتحدة لصدام حسين فى حرب الخليج الأولي. وهو موقف تغير بعد 11 سبتمبر 2001 عندما عاد في عهد بوش الابن بعدما اقنعه تشينى بتعيين رامسفيلد وزيرا للدفاع فخلال عودة بوش من مأمنه عقب انهيار برجى مركز التجارة العالمي، قال رامسفيلد: «يجب أن نقذف العراق بالقنايل!»، لتظهر سيطرة تشينى على إدارة الأمور العليا فدون أن يخطر بوش أمر بضرب أى طائرة تمثل خطراً .. ويكشف الفيلم كيف أصر الثنائى تشينى ورامسفيلد على تزييف الحقائق لتسويق ضرورة التدخل فى العراق فرغم اقتراح ريتشارد كلارك مستشار الأمن القومى «بضرورة قذف أفغانستان حيث توجد بها القاعدة» جادل رامسفيلد «ليس هناك هدف واحد فى أفغانستان ولكن هناك أهداف عديدة فى العراق» ليحسم بوش الموقف بالقول «إن الحرب بالمنطق سوف يكون مسرحها إفغانستان» قبل ان تمتد لاحقا للعراق، ونتيجة مباشرة لهذه المغامرات انتخب باراك أوباما ومن بعده ترامب من خلال برامج انعزالية بشعارات «نعم نستطيع» و«لنعيد أمريكا العظيمة من جديد» وان فكرة التدخلات الأمريكية قد أرهقت الولاياتالمتحدة ويجب إعطاء الأولوية للمشكلات الداخلية.. هذه الحروب لم تحقق آمال الحرية التى عرفتها وسائل الإعلام، بل العكس، ثمانية عشر عاما بعد طرد طالبان التى كانت تحمى «بن لادن» واضطر الأمريكيون للتفاوض من أجل إنهاء الحرب! «فيلم النائب» يتطرق أيضا إلى إدانة ترامب للمتحمسين بالتدخل العسكرى وتجار السلاح ومغامرى الحروب ومن بينهم تشينى ورامسفيلد، ويشرح كيف بزغت رغبة إعادة الجنود الأمريكيين إلى بلادهم حتى إذا كان ذلك يعنى التخلى عن الأكراد أو ترك الأفغان فريسة لطالبان!.. كما يكشف حقائق كثيرة فقبل غزو العراق استدعى جورج بوش وزير الخارجية جون باول ليسأله كيف يقيم العملية فأجابه «هذه هى قاعدة متجر البورسلين أى الخزف .. سيدى الرئيس إنك تكسر إناء الحساء .. انت تمتلكه !..» إن فيلم «نائب الرئيس» يعتبر وثيقة هجائية ضد سياسة فترة بوش تشينى ولقد برعت إيمى أدامز فى دور «لين تشينى»، كما جسد كريستيان بال دور تشينى بجداره تؤهله للفوز بالأوسكار وهو فيلم يفتح الأمل أمام عودة وازدهار السينما السياسية وينغمس المشاهد فى أحداث قديمة من أجل فهم الحاضر.. وهى أحداث عاشها جهابذة الدبلوماسية والسياسة المصرية ويستطيعون الآن استخلاص دروسها ومفاهيم تكشف محاولات بلقنة المنطقة العربية والتصدى لأى إستراتيجيات همجية فى المستقبل.. أعادنى هذا الفيلم إلى ذكريات غزو العراق وكيف فقد الدكتور أسامة الباز رحمه الله توازنه عندما سمع الخبر الصاعق، كما أجابنى د.مصطفى الفقى عبر التليفون: اسرعى فى سؤالك.. أمريكا تغزو العراق!.. «النائب» فيلم سياسى من الطراز الأول! لمزيد من مقالات عائشة عبدالغفار