حتى إذا كان القانون يَحصُر مساءَلة وسائل الإعلام فى جرائم محددة، ويعفيها من المسئولية عن مضمون الإعلانات التى تنشرها مطبوعة أو تبثّها عبر الإذاعة أو التليفزيون إلا ما يدخل منها فى هذه الجرائم، فإنه يطلق يدها فى الترويج للسلع والخدمات التى كثرت نوعياتها وأنواعها وماركاتها وتعدد منتجوها ومقدموها، وتعاظمت أسعارها ووصل بعضها إلى مستويات خيالية، فإنه لا يجوز أن يبرئ الإعلاميون أنفسهم تماماً من المسئولية عن بعض هذه الإعلانات، مثل تلك التى تتسبب فى سُعار استهلاكى، يعلم المنتجون والمستوردون والمعلنون وناشرو الإعلانات وكل العقلاء، أن آثارها تتجاوز الهدف الأساسى منها، الذى يُفتَرَض أنه خدمة الجمهور بإعلامه عن السلع والخدمات التى يحتاجها، إلى أن تخلق إحساساً كاذباً باحتياج سلع غير مطلوبة، وقد تنجح، بفنون الإعلانات التى شهدت تطوراً هائلاً، إلى حد جعل الإحساس مُلِحّاً وضاغطاً على الجمهور بما يدفعه دفعاً تحت هذا الضغط النفسى إلى السعى لاقتنائها، وغالباً ما تكون تكلفتها أكبر بكثير من طاقة قطاعات عريضة من المستهلكين يجدون أنفسهم مضطرين للاستدانة، إما بالأقساط أو بقروض من البنوك أو عن طريق وسائل أخرى، بفوائد مُتعاظِمة تزيد من السعر المعروض الذى هو أصلاً خارج المستطاع، وهذا يضعهم فى مأزق وجوب الوفاء بالالتزامات التى جرى اختراعها اختراعاً، ويجعل حياتهم أكثر عسراً بما يتنافى مع ما تُوهِم به الإعلانات. مسئولية الإعلاميين هنا، حتى إذا لم يكونوا ملزمين بها قانوناً، إلا أنها تدخل فى صميم عملهم وفق القواعد المهنية ومواثيق العمل ومنها التى أصدروها بأنفسهم، التى تلزمهم أدبياً بخدمة جمهور القراء والمستمعين والمشاهدين، بتقديم الأخبار وتفسيراتها وخلفياتها والآراء المتعددة حولها..إلخ، ومن الأوجب فى هذه الحالة تنبيه الجمهور إلى مخاطر الانزلاق فى حُمَّى الاستهلاك التى تحمِّل صاحبها أكثر مما يمكنه الوفاء به فتفضى به إلى حالة من التعاسة والقلق. وكان أولى بالتليفزيون، صاحب الدور الأكبر فى الترويج، بعد أن صار وسيلة الإعلام الأكثر جماهيرية، أن يُخصِّص جزءاً من برامجه الممتدة لنشر الوعى بخطورة الوقوع فى هذه الدوّامة. لمزيد من مقالات أحمد عبدالتواب