ليس ارتفاع أسعار السلع الأساسية وحده الذى يجعل الحياة عسيرة على الجميع، لأن هناك فئات تنتمى لأصحاب الدخول المعقولة، وأحيانا من المتيسرين، يُورِّطون أنفسهم بأنفسهم فى التزامات مالية منتظمة تفوق طاقتهم على الوفاء بها، عندما لا يستطيعون مقاومة رغباتهم فى شراء ما لا توفره لهم دخولهم، من شقق وفيلات وشاليهات وسيارات، أو الاشتراك فى نوادٍ مشهورة، أو إلحاق أبنائهم فى مدارس خاصة بمصاريف هائلة، أو امتلاك الموبايلات الفخمة المتعددة الوظائف التى تفوق احتياجاتهم، مع فواتيرها المتعاظمة..إلخ، وهى قائمة طويلة متعددة السلع والخدمات يُضاف إليها باستمرار بنود مستجدة، مما يشكل دوَّامة لا قرار لها! وأما السبيل الوحيد أمام هؤلاء للحصول على أى من هذا فعن طريق الاستدانة، إما بقروض من البنوك، وإما عن طريق الجمعيات التى ينظمها الأفراد بين بعضهم البعض، أو بالشراء بالأقساط الذى عادة ما يفرض شروطا تُهدِّد المشترى بخسارة كبيرة فى حالة عدم الوفاء. وهكذا، ورغم الحصول على المأمول، تصير حياة هؤلاء أكثر عسرا مما لو كانوا تجنبوا هذه المغريات، ويصبحون أكثر توترا خوفا من العجز عن الوفاء بالالتزامات وضياع ما صار فى حوزتهم! لا تندرج هذه التصرفات ضمن التطلعات الصحية التى ينبغى أن تراود أحلام الأسوياء، ولكنها تدخل فى باب التهور، بالإقدام عملياً على العيش بمستوى أعلى دون توافر الإمكانات اللازمة، بما ينتج عنه خلل يتسبب فى العوز! وهذه من عوامل التوتر والإحساس بالتعاسة، فى حين كان يمكن بقليل من التنظيم أن تكون الحياة أفضل، حتى مع عدم الحصول على كل ما هو مطلوب. الخطير فى الموضوع أنها لم تعد حالة بعض الأفراد وإنما صارت ظاهرة اجتماعية يعيش فيها معظم المصريين بأعلى من دخولهم المضمونة، وفى حين تلاحق الإعلانات المكثفة عموم المواطنين وتفبرك لهم احتياجات وتجعلها ملحة، بما يغريهم باستهلاك يدمر حياتهم، وينافى مستهدفات الادخار العام من أجل التنمية، فقد صار من النادر أن تسمع الأصوات التى تدعو للرشادة وتروِّج لمزايا التخطيط على مستوى الفرد والجماعة والدولة. لمزيد من مقالات أحمد عبدالتواب