ارتفاع الطلب على السبائك..أسعار الذهب اليوم الخميس 13-11-2025 في بني سويف    وزير الإسكان: بدء التسجيل عبر منصة "مصر العقارية" لطرح 25 ألف وحدة سكنية    توتر داخل كييف.. حرب مرتقبة بين زيلينسكي وهيئات مكافحة الفساد    مرور الإسكندرية يواصل حملاته لضبط المخالفات بجميع أنحاء المحافظة    بالصور.. علي العربي يتألق على السجادة الحمراء لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي    خالد النبوي.. فنان يروي الحكاية بصدق الإبداع ودفء الإنسان    الولايات المتحدة تنهي رسميا سك عملة السنت بعد أكثر من قرنين من التداول    النيابة العامة تخصص جزء من رسوم خدماتها الرقمية لصالح مستشفى سرطان الأطفال    أسعار السمك البلطي والكابوريا والجمبري بالأسواق اليوم الخميس 13 نوفمبر 3035    الغرفة التجارية: إيقاف 51 ألف محمول في أكتوبر بسبب تطبيق «الرسوم الجمركية»    محمود فوزي: قانون الإجراءات الجنائية الجديد سيقضي على مشكلة «تشابه الأسماء»    القيادة المركزية الأمريكية: نفذنا أكثر من 22 عملية ضد داعش فى سوريا    إسرائيل تُفرج عن 4 أسرى فلسطينيين من غزة بعد عامين    الخارجية الروسية: تقارير تعليق أوكرانيا المفاوضات تشير لعدم إلتزامها بالسلام    روبيو يعرب عن تفاؤله بصدور قرار أممي بشأن غزة    إذا قالت صدقت.. كيف تتمسك مصر بملفات أمنها القومي وحماية استقرار المنطقة؟.. من سرت والجفرة خط أحمر إلى إفشال محاولات تفكيك السودان وتهجير أهالي غزة .. دور القاهرة حاسم في ضبط التوازنات الإقليمية    تعرف على ملاعب يورو 2028 بعد إعلان اللجنة المنظمة رسميا    ترامب يحمل «جين تاتشر» وكيندي استخدم مرتبة صلبة.. عادات نوم غريبة لرؤساء أمريكا    خبير لوائح: قرارات لجنة الانضباط «تهريج».. ولا يوجد نص يعاقب زيزو    بيراميدز في صدارة تصنيف الأندية العربية والأفريقية    الفراعنة يرفعون وتيرة التدريبات قبل اللقاء الودي أمام أوزبكستان    تأكيد لليوم السابع.. اتحاد الكرة يعلن حرية انتقال اللاعبين الهواة بدون قيود    «يتميز بالانضباط التكتيكي».. نجم الأهلي السابق يتغنى ب طاهر محمد طاهر    «مكنش يطلع يستلم الميدالية».. مجدي عبد الغني يهاجم زيزو بعد تصرفه مع هشام نصر    «ده مش سوبر مان».. مجدي عبد الغني: زيزو لا يستحق مليون دولار    بتروجيت: حامد حمدان لم يوقع على أي عقود للانضمام إلى الزمالك    متى تُعلن نتيجة انتخابات «النواب» 2025؟ وهذا موعد الإعادة بالخارج والداخل    التصريح بدفن جثمان الزوجة المقتولة على يد زوجها فى المنوفية    حادث مرورى بنفق قناة السويس بالإسكندرية وعودة الحركة المرورية    حيثيات حبس البلوجر «سوزي الأردنية»: «الحرية لا تعني الانفلات»    ذروة الهجمة الشتوية.. إنذار جوى بشأن حالة الطقس اليوم: الأمطار الرعدية تضرب بقوة    السيطرة على حريق محل بسبب الأمطار وسوء الأحوال الجوية فى بورسعيد    ممثل المجموعة العربية بصندوق النقد الدولي: مصر لا تحتاج لتحريك سعر الوقود لمدة عام    دوامٌ مسائي لرؤساء القرى بالوادي الجديد لتسريع إنجاز معاملات المواطنين    "حقوق المنصورة "تنظم يومًا بيئيًا للابتكار الطلابي والتوعية بمفاهيم الاستدامة وترشيد الاستهلاك    سحر السينما يضيء القاهرة في افتتاح الدورة ال46 للمهرجان الدولي    محمود فوزي ل"من مصر": قانون الإجراءات الجنائية زوّد بدائل الحبس الاحتياطي    أروى جودة بإطلالة مميزة في افتتاح مهرجان القاهرة السينمائي    أحمد تيمور خليل: ماما مها والدة مى عز الدين معانا بروحها    محامي أسرة أم كلثوم: إجراءات قانونية ضد الشركة المخالفة لحقوق كوكب الشرق    قد يؤدي إلى العمى.. أعراض وأسباب التراكوما بعد القضاء على المرض في مصر    مقرمش جدا من بره.. أفضل طريقة لقلي السمك بدون نقطة زيت    أكلات مهمة لطفلك ولكن الإفراط فيها يضر بصحته    مركز أبحاث طب عين شمس يحتفل بمرور خمس سنوات علي إنشاءه (تفاصيل)    قصر صلاة الظهر مع الفجر أثناء السفر؟.. أمين الفتوى يجيب    طلاب كلية العلاج الطبيعي بجامعة كفر الشيخ في زيارة علمية وثقافية للمتحف المصري الكبير    رئيس الإدارة المركزية لمنطقة شمال سيناء يتفقد مسابقة الأزهر الشريف لحفظ القرآن الكريم بالعريش    ضبط مصنع حلويات بدون ترخيص في بني سويف    انطلاق اختبارات «مدرسة التلاوة المصرية» بالأزهر لاكتشاف جيل جديد من قراء القرآن    البابا تواضروس الثاني يستقبل سفيرة المجر    الرئيس السيسي يصدق على قانون الإجراءات الجنائية الجديد    رئيس الوزراء يتفقد أحدث الابتكارات الصحية بمعرض التحول الرقمي    السعودية تستخدم الدرون الذكية لرصد المخالفين لأنظمة الحج وإدارة الحشود    «لو الطلاق بائن».. «من حقك تعرف» هل يحق للرجل إرث زوجته حال وفاتها في فترة العدة؟    رئيس هيئة الرقابة المالية يبحث مع الأكاديمية الوطنية للتدريب تطوير كفاءات القطاع غير المصرفي    وزارة العمل تكشف نتائج حملات التفتيش على تطبيق قانون العمل الجديد في القاهرة والجيزة    18 نوفمبر موعد الحسم.. إعلان نتائج المرحلة الأولى لانتخابات النواب 2025 وخبير دستوري يوضح قواعد الفوز وحالات الإعادة    دعاء الفجر | اللهم ارزق كل مهموم بالفرج واشفِ مرضانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



إرهاب وإلحاد
نشر في الأهرام اليومي يوم 24 - 02 - 2019

ما الذى يمكن أن يجمع الحسن عبد الله وشادى سرور؟ سؤال صعب فعلا، فالأول إرهابى فجر نفسه فى قوات الشرطة وهى تقبض عليه، والثانى صاحب فيديوهات ساخرة واسعة الانتشار على اليوتيوب خرج عن دينه وأعلن إلحاده. هل ثمة عناصر مشتركة بينهما فعلا تجعل كلا منهما الوجه الآخر للعملة؟..
أتصور أن التطرف فى الافكار الدينية إلى حد الإرهاب يماثل التطرف فى الأفكار الدنيوية إلى حد الإلحاد، الفارق الوحيد أن الإرهاب مؤذ للمجتمع قاتل للأنفس ضرره عام وممتد، بينما الإلحاد مؤذ فقط لصاحبه لا يطول إلا نفسه وضرره خاص ومحدود.
ولو دققنا فى الحياة التى يعيشها كل منهما، لراعنا عناصر مقاربة كثيرة، فكلاهما وحيد معزول عن مجتمعه، رافض أن يكون مواطنا فيه، يعمل على تغييره سواء بالعنف المادى أو التمرد اللفظي، يرى مجتمعه فى مرتبة أدنى منه، وناسه لا تفقه دينها أو لا تدرك القيم الإنسانية العليا.. المدهش أن إرهاب الحسن عبد الله كان سببا فى إلحاد شادى سرور.. والعكس صحيح أن عالم شادى سرور وأمثاله هو التكئة التى يستند إليها الحسن عبد الله فى نفوره من مجتمعه والخروج عليه شاهرا عبواته الناسفة وعملياته الإرهابية.
لم يفكر الحسن فى أزمته منقبا عن حل لها وفك تعقيداتها، الأب طلق أمه وتركه مع جدته، وقست عليه الجدة لتحميه من الشطط والجريمة، فبعض الأقارب فى الدرب الأحمر التى يسكنها لهم باع فى تجارة المخدرات، وهى سيدة وحيدة، والشدة هى سبيلها لتقويمه وتربيته، وحين تجاوز المراهقة، كان الأب قد غادر الوطن ، وهاجر إلى الولايات المتحدة، لتزداد عزلته وينطوى على نفسه فى جيتو خاص به متجنبا الاندماج مع الناس.
لم يحاول قط أن يكسر شرنقته أو يمد مشاعره إلى البيئة المحيطة به، والإنسان الذى تجف مشاعره مع أهله وجيرانه وبيئته، يسهل جدا أن ينكر مجتمعه كله، فيهجره ويعاديه وينقلب عليه عنيفا مدمرا. ويبدو وهو يدرس فى الأزهر لم يكتشف الجوانب المضيئة فى دينه، وغرق لأسباب كثيرة فى كتب التراث المعتمة التى تتحدث عن الجاهلية ودار الحرب والجهاد ضد المجتمع الكافر، فأسلمته إلى فكرة جهنمية وهى أن لا سبيل للخلاص من أزمته إلا عبر برزخ وحيد، أن يختزل المسافة بين جحيم حياته والجنة التى تنتظره، وهل هناك أسرع من تفجير نفسه وتمزيقها أشلاء مبعثرة؟ ، وبالمرة يرسل بعضا من مجتمعه الجاهل الكاره له إلى الآخرة عقابا عما فعلوه به. نفس جافة وثقافة مريضة وعقل معطوب غيب الموت صاحبه، لكن الأفكار التى صنعته مازالت ترعى فى التربة، تزحف ساعية إلى ابتلاع من هم على شاكلته..وإذا لم نقطع رأسها، أو ندفنها فى باطن الصحراء التى خرجت منها، لن نسلم من لدغاتها ابدا.
الآخر وجد حلا من أزمته فى الإلحاد، شكل مختلف من الهروب، فهو أيضا عزل نفسه فى بيته، معذبا فى فراغ حجراته، وحسب تعبيره هو «عايش فى سجن لم أخرج منه لشهور طويلة»، لماذا؟، «خسرت كل الناس الذين أحببتهم وأصبحت وحيدا».
ويبدو أن سر عذابه هو فى عدم تقدير مجتمعه له، ولموهبته التى كشف عنها فى فيديوهات ساخرة، تابعها الملايين، لكن هذه الشهرة الواسعة على شبكة التواصل الاجتماعى لم تمنحه ما تصور أنه من حقه، وربما انتابته مشاعر كراهية لمجتمعه، فكيف لهذا المجتمع أن يقدر الأغيار الذين يسطعون على شاشات الفضائيات ويتقاضون ملايين الجنيهات ويعيشون كالأمراء، وقد يشاهدهم جمهور أقل عددا من جمهوره، بينما هو لا يتقاضى سوى ملايين الليكات ويعيش عاديا مثل بقية خلق الله من البسطاء الذين لا يملكون نصف مواهبه. بل وأحيانا ينهال البعض من جمهوره على فيديوهاته بتعليقات سخيفة موجعة..فاختلاف الأذواق طبيعة إنسانية. وفى النهاية «أنا سبت الإسلام بسبب العنصرية والجحود فى قلوب الناس..» ويبرر شادى قراره لعلنا نعذره «لو عرفتم كم وصلت لدرجة من العذاب النفسى كإنسان».
هذه خدعة نفسية أخرى لا تقل عن خدعة الإرهابي. فالإنسان لا يؤمن أو يخرج عن دينه بسبب تصرفات المحيطين به المؤمنين بنفس دينه، واذا كان الإنسان يرث دينه مع مولده، فله عقل مكلف بالانتباه واليقين، وقبل كل شيء أن يدرك أن تصرفات البشر أيا كانت دياناتهم ليست حجة على دينهم، سواء كانوا فى غاية التقوى أو فى منتهى الإسفاف والعنصرية. والناس ألوان وأصناف خليط من الضعف والقوة ، النبل والسفالة، التسامح والعنصرية..إلخ، ومن الخطأ أن نتصور البشر خارج طبائعهم ومصالحهم ومصارعهم وأفعالهم العظيمة والمشينة، وقطعا لا نبرر تصرفاتهم القبيحة، لكن نفسرها بالضعف الإنسانى ونعمل على تجنبه أو نقلل من زلاته. كارثة..لو تصور بعض منا أنه من القلة الأفضل أو أنه من طينة أخرى غير طينة عموم الناس، هو صالح متسامح مترفع عن الصغائر، وهم فاسدون متعصبون جاحدون، لا يقدر على التعامل معهم، ولا حل له سوى فى العزلة عنهم وهجرهم..حتى لو خرج من ملتهم.
وكلمات شادى تذكرنى بشخص مثله قابلته مصادفة فى حفل عيد ميلاد صديق متزوج من أجنبية، كان أستاذا جامعيا ملحدا، وبعد الهيصة وإطفاء الشموع والضحكات المجلجلة من القلب، عرج الحديث إلى أحوالنا، وكالعادة فى مصر الدين هو مربط الفرس سواء كان المتكلمون يعرفون أمور الخيل أو يجهلونها! وشن الأستاذ الملحد هجوما على الديانات عموما، ثم خَص الإسلام بغارات متتالية مكثفة، لم يكن فيها جديد، فهو دين القتل والرجم والجنس وكراهية الآخر والحرب على المخالفين له..إلخ. فسألته: من أين أتيت بما تقول؟!..أتصور أن العكس صحيح صحة مطلقة. فراح يعدد لى كتبا من التراث فى تفسير القرآن وشرح الأحاديث النبوية.
فقلت له: ما يفسره إنسان ليس حجة على دينه سواء كان عالما أو جاهلا ، والتفسيرات والشروح ليست الدين، حتى لو قدسها عدد كبير من المسلمين.
وقرأت عليه نصوصا قاطعة فى التسامح والعفو وحسن المعاملة ومكارم الاخلاق.
باختصار نحن أمام حالتين فى غاية الدلالة، التمعن فيهما يمكن أن يرسم لنا خريطة طريق لتحديث الفكر الدينى.

[email protected]
لمزيد من مقالات نبيل عمر


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.