حلم الهجرة والجهر بالرغبة فى التبرؤ من هوية الوطن ليسا مقصورين على مجتمع بعينه، فقد كان إغراء الحلم الأمريكى أقوى من بكثير من المبادئ عند البعض. ربما كان هذا باختصار شديد أكثر ما يلمس القارئ العربى عند قراءته لرواية «نهر من النجوم» للكاتبة الصينية فانيسا هاو. تبدأ أحداث الرواية بالهجرة، أو بالأحرى الهروب.. حيث تنجح الصينية سكارليت فى الهروب من قبضة أمها وتنجح فى إقامة علاقة بمدير المصنع الذى تعمل فيه وتحمل فى أحشائها جنينا منه. ولأن بوس يونج، أبا جنينها، متزوج بالفعل ولديه من الأطفال ثلاث بنات كانت المفاجأة سعيدة جدا حين أخبرته أنها تحمل ولدا وأن هذا ما أكدته الأشعة التليفزيونية. وعندما شعر بوس بأنه يجب أن يفعل أقصى ما بوسعه لتأمين مستقبل ابنه، لم يجد أفضل من أن تولد بذرته فوق الأراضى الأمريكية وأن يصبح ولى عهده مواطنا أمريكيا. وبالفعل تركت سكارليت وطنها وأمها وكل شيء لتحتل هى الأخرى مكانا فى الملعب الكبير من أجل الفوز بقطعة من كعكة «الحلم الأمريكى». وعندما وصلت إلى لوس أنجلوس نزلت فى بيت سرى تديره سيدة ذكية اسمها ماما فانج أجادت استثمار تلك «التقليعة» التى جذبت السيدات الصينيات الثريات اللاتى يحلمن بولادة أطفال يحملون الجنسية الأمريكية… وهن كُثر. وفى هذا المنزل السرى شعرت سكارليت بشىء من الدونية الاجتماعية وسط رفيقاتها فهى لا تعرف ماذا يأكلون ولا يرتدون .. إلا ديزي، تلك الفتاة التى شعرت أنها تشبهها اجتماعيا، بل ربما تقل عنها أيضا. وقد جاءت ديزى هى الأخرى هاربة بحثا عن صديقها الأمريكى، على أمل الارتباط به والفوز بجنسية بلاده. لكن السفن لم تأتِ بما اشتهت نفس سكارليت التى اكتشفت فى إحدى زياراتها للطبيب لمتابعة الحمل أنها تحمل بنتا وليس ولدا كما كانت تظن. ولأنها كانت تعرف وقع الصدمة على بوس هربت منه قبل أن يبحث عنها وينتقم منها. وهكذا ترصد فانيسا هاو رحلات هروب متتالية هى فى مجموعها رحلة حياة شابة صينية .. تارة تهرب من أخلاقيات مجتمعها متجسدة فى أمها، وتارة تهرب من وطنها بحثا عن الوهم فى وطن آخر، ثم تهرب من كل ذلك لأنها بليت بجنين أنثى مثلها لتكمل من بعدها رحلات الهروب فى أرض السراب.