لم يكن اختيار مصر لاستضافة القمة على سبيل المراهنة أو المزايدة بل تقدير لدورها المحورى فى المنطقة العربية، فى ظل المتغيرات الدولية والإقليمية التى ظهرت خلال العقد الأخير من القرن العشرين . وقد عقد اجتماعان بين الجانبين العربى والأوروبي، الأول على مستوى الخبراء بمقر الجامعة العربية، وآخر وزارى فى بروكسل مطلع الشهر الحالى لوضع بنود أعمالها. ويعتبر الاتحاد الأوروبى من أقرب التجمعات الدولية إلى الدول العربية من الناحية الجغرافية ، وكذلك من الناحية التاريخية، بحسب رأى المتخصصين فى العلاقات الدولية، لذلك دائما ما تنظر القارة الأوروبية الى استقرار المنطقة العربية باعتباره أمراً حيوياً للاقتصاد الأوروبي، ومن ثم فإن الوقت قد أزف لإيجاد صيغ استراتيجية للوصول لحلول مشتركة للقضايا السياسية والأمنية العالقة. ومنها فى الصدارة القضية الفلسطينية والأزمة السورية والليبية واليمنية والتجارة والاستثمار والهجرة والأمن فى المنطقة، حيث بات التعاون فى مجال إحلال السلام الشامل والعادل بالمنطقة أمرا ضروريا لكل الأطراف، فضلاً عن وجود تأييد عربى للسياسات والتوجهات الأوروبية تجاه مشكلات المنطقة، مما يعزز خروج القمة ببيان تعاون مشترك لمواجهة التوترات الإقليمية التى تهدد مصالح الجانبين على حد سواء. من المنتظر أن يتصدر أعمال القمة بحث القضية الفلسطينية بشكل موسع وموقف الاتحاد الأوروبى من القضية الفلسطينية حسبما أعلن الناطق باسم الاتحاد الأوروبى فى فلسطين من أنه فى ظل غياب العملية السياسية، وعدم التزام إسرائيل بمبدأ حل الدولتين، ووجود علامات استفهام كبيرة حول التزام إسرائيل بحل الدولتين، يسعى الاتحاد الأوروبى للبحث عن دور فى العملية السياسية، على أن يكون مقبولا من الطرفين، مشددا على أن الاتحاد مقتنع بأن الآليات القديمة أثبتت فشلها، لذلك فهناك ضرورة لإيجاد آلية جديدة. أما موقف الاتحاد من الأزمة السورية فجاء متطوراً منذ بداية الأزمة، لكنه انحسر حالياً فى إيجاد حل دبلوماسى مع برنامج إعادة إعمار للبلاد بعد انتهاء الحرب الأهلية بالتعاون مع روسيا حسبما أجمع عليه المسئولون الأوروبيون فى أكثر من محفل ،كما أنه من المنتظر أن يستضيف الاتحاد الأوروبى مؤتمراً الشهر المقبل بهذا الشأن. أما بشأن الأزمة الليبية فتتعارض المصالح الأوروبية هناك، الأمر الذى تجلى فى الأزمة الدبلوماسية الواقعة حالياً بين روما وباريس على خلفية تصريحات الأولى بشأن تقويض فرنسا عمليات التسوية بين الفرقاء الليبيين بغية تحقيق مصالحها هناك، وهو ما يذكر بتصريحات رئيس البرلمان الأوروبى أنطونيو تاياني، حين دعا نهاية العام الماضى الدول الأعضاء فى الاتحاد الأوروبي، إلى توحيد موقفها وإعداد استراتيجية موحّدة للعمل فى ليبيا. وتسعى الدول الأوروبية إلى كسب التأييد العربى لقضايا الأمن الأوروبى خاصة والمتعلق منها بظهور قضايا جديدة على مجتمعهم مثل النازحين واللاجئين، بغية التعاون والتنسيق مع المنطقة العربية للحد من تلك الظواهر وما ينتج عنها من آثار سلبية، على كل الأصعدة الأمنية والاقتصادية . وعلى الصعيد الاقتصادي، ينظر الجانب الأوروبى إلى المنطقة العربية عامةً ومصر خاصة باعتبارها منفذاً ضرورياً للاستفادة فى تصريف المنتجات الأوروبية من خلال التطبيق الفعلى لإتفاق المشاركة العربية الأوروبية. كما تنظر الدول العربية للنموذج الأوروبى على أنه من انجح نماذج التكتلات التى بدأت اقتصاديا ثم تطورت قدرات الأعضاء الشاملة فى المجالات المختلفة لتحتل مكانة متقدمة كقوة كبرى فاعلة فى النظام العالمى الجديد اقتصاديا وسياسيا وعسكريا. وتكمن التحديات المشتركة فى إمكانية طرح هيكل نظام فعلى جديد، قائم على أسس من الشراكات الحقيقية لحل القضايا بين الجانبين وهو ما انعكس فى كلمة الرئيس عبد الفتاح السيسى أثناء مشاركته فى مؤتمر ميونيخ للأمن فى المانيا، حين قال إن القمة خطوة مهمة لمزيد من النقاش وتطوير العلاقات بين الجانبين العربى والأوروبى وهى خطوة رئيسية لمزيد من التعاون تعقبها خطوات أخري، لأن عدم الاستقرار ببعض الدول العربية أدى إلى ظاهرة الهجرة غير المشروعة باتجاه أوروبا. وهنا نلحظ أن الدبلوماسية المصرية عملت منذ عام 2013 بشكل حثيث على رسم دوائر للأمن القومى العربى من خلال إقامة علاقات متوازنة مع الاتحاد الأوروبى الذى يتطلع للاستفادة الكاملة من قدرات وخبرات مصر فى التعامل مع القضايا المختلفة بمنطقة الشرق الأوسط لما تمتلكه من قدرات كبيرة .