رغم تعدد الملفات المطروحة على مائدة القمة العربية الأوروبية، تحظى قضيتا الهجرة والأمن باهتمام كبير، خاصة أن هذين الملفين المتشابكين يمثلان أحد أهم التحديات المشتركة التى تواجه الجانبين العربى والأوروبى فى ظل التطورات التى فرضتها الأزمات التى عانتها بعض دول المنطقة وتسببت فى حالة من عدم الاستقرار انعكست بدورها على الواقع الأوروبي، وكان أبرز آثارها طوفان اللاجئين والمهاجرين غير الشرعيين الذين تدفقوا على السواحل الأوروبية بصورة غير مسبوقة، الأمر الذى أوجد حالة من الجدل الشديد والخلافات المستمرة داخل المجتمعات الأوروبية بسبب هذه الظاهرة. هذا الأمر سبق وأوضحته فيدريكا موجيرينى المنسقة العليا للسياسة الخارجية الأوروبية التى أكدت أن ما يحدث فى العالم العربى يؤثر على أوروبا والعكس صحيح، ومن ثم فإن القمة تعد فرصة للبحث عن حلول مشتركة للتحديات القائمة. خاصة فى ظل وجود مخاوف وقلق أوروبى حقيقى من هذين الملفين، ولعل أبرز دليل على تلك الاجتماعات الأوروبية التى عقدت فى سالزبورج بالنمسا فى سبتمبر الماضى وركزت على قضيتى الهجرة غير الشرعية والأمن والرغبة فى مزيد من التعاون مع الجانب العربى للتصدى للمشكلات الناجمة عنهما. وهنا تشير الاحصاءات إلى أنه منذ اندلاع ثورات الربيع العربى وهناك تدفق غير مسبوق للمهاجرين من مناطق النزاعات، يضاف إليهم أعداد أخرى من المهاجرين الأفارقة، وهى قضية أرقت الدول الأوروبية كثيرا خاصة تلك المطلة على البحر المتوسط باعتبارها المستقبل الرئيسى لهؤلاء القادمين. وكما أن الدول الأوروبية ترغب بشدة فى وقف هذه المأساة الإنسانية الضاغطة عليها اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، فإن الجامعة العربية من جانبها ترغب أيضا فى وقف هذا الطوفان المتدفق بشكل غير مشروع، وذلك رغم اختلاف الرؤى والتوجهات بين دول شمال وجنوب القارة حول سبل مواجهتها ووجود دول مثل المجر أغلقت حدودها فى وجه المهاجرين واللاجئين ومازالت تصر على رفض الإشارة لكلمة المهاجرين فى أى مسودة تناقشها الاجتماعات الأوروبية. وهو ما يجعل من هذه القمة فرصة لمناقشة آفاق التعاون فى الوقت الحالي، خاصة أن الجهود الأوروبية السابقة ركزت على تمويل برامج تهدف للحد من الهجرة غير الشرعية من افريقيا، ولعل من الضرورى الإشارة للجهود التى تبذلها مصر لمحاربة الهجرة غير الشرعية عبر أراضيها وهو ما دفعها لمطالبة الشريك الأوروبى بدعم جهودها . كما دفع المفوضية الأوروبية لتخصيص 90 مليون يورو لتمويل برامج تعمل على معالجة قضية الهجرة غير المشروعة واللجوء وادارة الحدود بين شمال افريقيا وأوروبا، فضلا عما أعلنه قادة الاتحاد من ضرورة التركيز على وقف الهجرة من بلدان المنشأ والعبور فى محاولة للسيطرة على تدفق المهاجرين. ولا تقل قضية الأمن خطورة عن قضية الهجرة، فقد أظهرت الحوادث الإرهابية التى شهدتها بعض الدول الأوروبية أن محاربة الإرهاب أصبحت ضرورة ملحة وعلى قمة أولويات الحكومات، خاصة فى ظل تنامى خطر الإرهابيين من عابرى الحدود، الأمر الذى زاد من معدلات التعاون مع الدول العربية ودول الجوار لمواجهة ذلك. و شهد العام الماضى عدة اجراءات اتخذها المجلس الوزارى الأوروبى لمواجهة تمويل الإرهاب، وتم فى ذلك الوقت تبنى توجه يدعو لمنح «يوروبول» الأدوات والموارد اللازمة لحماية الأوروبيين بما فى ذلك تبادل المعلومات المخابراتية، كما شهد العام الماضى كذلك تعاونا بين جامعة الدول العربية ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبى فى فيينا لبحث تبادل الخبرات فى قضية مكافحة الإرهاب وسبل التعاون المستقبلي. خاصة فى ظل تغير طبيعة التهديدات الإرهابية خلال السنوات الماضية وتحديدا منذ عام 2014. وطبقا لتصريحات رئيس المركز الأوروبى لمكافحة الإرهاب، الذى استعرض تقرير حالة الإرهاب فى دول الاتحاد العام الماضى أمام اللجنة المختصة بالبرلمان الأوروبي، فقد كانت الهجمات أقل تنظيما وأقل فى عدد ضحاياها رغم ارتفاع معدلاتها، وخلال عام 2017 وقع 33 حادثا إرهابيا أسفر عن مصرع 62 شخصا واصابة عشرات آخرين، وألقى القبض على 705 أشخاص فى 18 دولة أوروبية أكثرهم فى فرنسا للاشتباه فى التورط فى نشاطات إرهابية. كما شدد التقرير على ضرورة الانتباه إلى أن معظم الهجمات تشنها عناصرمتطرفة تعيش داخل المجتمعات الأوروبية دون أن تسافر للخارج أو تنضم لأى تنظيم إرهابى أو تتوجه لمناطق الصراعات فى الشرق الأوسط. كما أن حقيقة أن داعش يتراجع عسكريا فى سوريا لا تعنى حل مشكلة التطرف، فالإرهاب يمكن أن يطل برأسه ويضرب مجددا فى أوروبا. خاصة فى ظل المخاوف من تسلل الإرهابيين ضمن قوافل المهاجرين. كما أن احتمال عودة الأوروبيين الملتحقين بالتنظيم لدولهم مازال يثير المخاوف، خاصة أن التقرير حذر من أن التنظيمات المتشددة مازالت تشكل تهديدا كبيرا ولديها النية والقدرة على شن هجمات إرهابية فى الدول الأوروبية، وكلها عوامل تؤكد أن أوروبا والعالم العربى فى حاجة لبعضهما البعض لحل أكبر مشكلتين تواجه العالم حاليا وهى الهجرة والأمن.