أنا أم، وقد فرحت جدا عندما طرق شاب بابنا، طالبا يد ابنتى للزواج، ووجدت فى ابنتى التى كبرت سريعا، واشتد عودها وأصبح قوامها ممشوقا نظرات حب وإعجاب تجاه هذا الشاب الذى قال لى بعبارة صريحة إنه يعيش أحلى قصة حب معها، ويريد أن تنتهى فصولها عند المأذون, وبعد أن تحرينا عنه سمعنا كل خير عن أخلاقه, وكان وضعه المادى جيدا ووظيفته ممتازة, ولم يكن لدينا أى سبب يمنعنا من إتمام زواجها منه, وتمت مراسم حفل الزفاف وسط فرحة العروسين العارمة، وفرحتى التى اكتملت عندما رمقت فى عينىّ ابنتى سعادة لا متناهية بزوجها, وبرغم حزنى لفراقها فإننى شعرت بالطمأنينة، ومرت الأيام وأنجبت ابنتى ولدا وبنتا، وكبرت مساحة الحب بينها وبين زوجها بعد أن أنجبا الأبناء, وكأى زوجين فى العالم وقعت بينهما خلافات أسرية تافهة كالتى تحدث فى كل بيت بسبب ظروف المعيشة وأعباء الحياة، وقد قتلها الشك لإحساسها بوجود أنثى أخرى فى حياته، فقاومت بضراوة أى محاولة نسائية للتسلل إلى قلبه، ولاحقته فى كل مكان لدرجة أنه استاء منها وهدّدها بأنه سيتزوج عليها, ومع تشديد الرقابة من جانبها واتساع هوة المشكلات بينهما دخل عليها ذات يوم، وأخبرها ببرود أعصاب بأنه سيتزوج عليها فى نهاية الأسبوع, فاعتقدت أن الموضوع مجرد مزحة, لكنه أكد لها حقيقة ما أبلغها به وعليها أن تنتظر إلى آخر الأسبوع حتى تتأكد بنفسها، وأمضى معها يومه بشكل عادى جدا، وبعد خروجه من المنزل حادثتنى، وهى منزعجة بما أخبرها به، وقالت: «إنها على ما يبدو مزحة غير لطيفة»، وكأنها لا تريد أن تصدق ما سمعته, وعندما حان الموعد الذى أخبرها به حزّم حقائبه وارتدى بدلة العريس وأبلغها بأنه سيقضى أقل من شهر العسل، وسيعود إليها بعد أسبوعين, وجاءه أصدقاؤه أسفل المنزل وزينوا سيارته حتى يزفوه بها، فودّع ابنتى وسط ذهولها، وتمنى لها وقتا سعيدا، وأخبرها بأن لها مطلق الحرية إن أرادت أن تقضى فترة غيابه فى منزلي, وعندما انسالت دموعها بغزارة مما تراه حولها قبّلت يديه ورجته أن يتراجع عن قراره فلم يرد عليها وتركها وهى تلطم خديها، وتتحسر على ما أصابها, وظلت تصرخ طوال الليل بهستيريا، وامتنعت عن تناول الطعام والشراب حتى خارت قواها وهوت جثة هامدة بلا حراك, فاستدعينا طبيبا من المنطقة على وجه السرعة، ففحصها وأعطاها حقنة حتى تفيق من غيبوبتها ففتحت عينيها ولم تنطق بكلمة واحدة وأخبرنا الطبيب بأنها مصابة بحالة انهيار عصبى وستصبح على ما يرام بعد قليل, ولكن لم يحدث أى تقدم فى صحتها وساءت حالتها حتى بزوغ شمس اليوم التالى وأصيبت بشلل تام وأصبحت غير قادرة على الحركة نهائيا, فاصطحبناها إلى المستشفى بسرعة بالغة، وظن طبيبها المعالج بأنها تعرضت لحادث مرورى, فقد أخبرنا بأن عظام الفقرات الصدرية انحنت بشكل كبير مما سبّب لها ضيقا فى التنفس وأدى إلى التهاب أعصابها وجعلها غير قادرة على الحراك, فأقسمنا له بأنها لم تتعرض لأى حادث أو مكروه يمكن أن يؤدى إلى انحناء فقرات الصدر بالشكل الذى شاهدناه فى الأشعة, فزاد استغرابه جدا وشكك فى كلامنا، وظن أننا نخفى عنه أمرا بخصوص حادث تعرضت له, وروينا له القصة كاملة فقال لنا: إن الإنسان عندما يصاب بهياج وانهيار عصبى كامل يمكن لجسده أن يقوم بأمور غير معروفة ولا مدروسة وأن مثل هذه الحالات نادرة جدا فى العالم, وبعد أن عاد زوجها من شهر العسل وتذكر أن لديه زوجة وأبناء جاء لزيارتها، وعندما شاهدها أبدى تأثرا بحالتها الصحية الحرجة، وظل يطببها شهرا كاملا، ولكنه أحس بأنها عالة عليه وبأنه يريد من يساعده بعد عودته من عمله وليس من يقوم هو بالاعتناء به, فانصرف عنها إلى حياته الجديدة وأصبح لا يأتى إلا للاطمئنان على أبنائه ويعطيهم مبلغا متواضعا من المال ويذهب إلى حال سبيله دون أن ينطق بكلمة واحدة ودون أدنى شعور بالذنب تجاه زوجته وأم أولاده التى أحبته لدرجة العشق، وأخلصت له ولأبنائه, وعندما طالبناه بزيادة المبلغ الذى يتركه لهم لكى نعرضها على الأطباء ادّعى ضيق اليد, فهل من السهل على الرجال التضحية بزوجاتهم والانجراف وراء وهم الزيجة الثانية طمعا فى ملذة زائلة, ناسين الحب الكبير الذى جمعهم بزوجاتهم فيضحون بهن عندما تلوح لهم فى الأفق فريسة جديدة؟! ولكاتبة هذه الرسالة أقول: يرى البعض أن السعادة فى الماديات, بينما يراها آخرون فى المعنويات, وهناك فريق ثالث يوازن بين الماديات والمعنويات, وهذا هو الفريق الذى يسير على الطريق الصحيح وأحسب أن زوج ابنتك من فريق الماديات، وابنتك من فريق المعنويات, ولذلك حدث الخلاف, فاتجه هو إلى إشباع حاجاته المادية من فتاة أخرى وجد فيها ما يبغيه، واتجهت ابنتك إلى إشباع معنوياتها بالحسرة على الحب الضائع، وبشكل عام فإن سعادة الإنسان تتمثل دائما فيما يبعث فى نفسه الطمأنينة، والعاقل هو الذى يحسب الحياة الدنيا على هذا النحو, لكن زوج ابنتك غفل عن ذلك وانجرف وراء أهوائه, وأعتقد أن سعادته بزواجه الثانى سوف تزول مع أول عاصفة زوجية وعندها سوف يعود إليها طالبا منها الصفح والعفو!، وكان ينبغى عليها أن تضع الأمور فى حجمها الطبيعى، وألا تغرق نفسها فى الأحزان, فإذا كان هو لم يُقدّر حبها له، فإنه لا يستحق أن تذرف عليه دمعة واحدة، وأقول لها: اصبرى على الابتلاء, إن الله مع الصابرين, والحقيقة المؤكدة هى أن الإيمان وحده هو الذى يحرر الإنسان من كل خوف أو حزن أو قلق, وسوف يظل الإيمان والتدين والتوكل على الله والاعتصام به، عوامل تمثل قوام الحياة ومنهجها الحق ومفتاح السعادة وسرها والضابط الذاتى للإنسان والقوة الخفية والكامنة لكل نجاح وتقدم ماديا ومعنويا. وبقدر ما يرتبط المرء بالله تعالى بقدر ما تكون منزلته وأمنه ويتحقق نجاحه وسعادته فى الدنيا والآخرة ويكفى أن ننظر إلى إنسان مؤمن بالله مستبشر فى حياته, وآخر فاقد أو ضعيف الإيمان تتنازعه الأهواء والمخاوف والإحباطات يقول تعالي: «ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله على كل شيء عليم» (التغابن 11) فانصحى ابنتك بأن تتقرب إلى الله يا سيدتى وسوف يحقق لها راحتها النفسية وسلامتها الجسدية ولتنتظر عطاء من لا يغفل ولا ينام وهو القاهر فوق عباده.