أنا فتاة من أسرة متوسطة عمرى ثلاثة وعشرون عاما, وتخرجت فى كلية نظرية العام الماضي, ولى اختان تكبرانني, ومنذ أن وعيت ما حولي، وأنا أرى أمى على علاقة جيدة بصديقة لها من الجيران, وامتدت هذه الصداقة لتشمل العائلتين, وأصبحنا أكثر من الأهل, وكبرت والتحقت بالجامعة، وأنا شاهدة على هذا الارتباط الأسرى بيننا وبينهم, والحقيقة أن اختلاطنا الدائم بهم دفعنى إلى التعرف على شاب منهم يكبرنى بعام واحد, وكنا نلتقى كثيرا لدرجة أن الأسرتين قالتا: «إننا حنتخطب لبعض», وفى تلك الفترة تمت خطبة أختى الكبرى, وقد صاحبها تغير غير مفهوم من أمى تجاه صديقتها، وأصبحت تفسر كل شئ حسب هواها، ولا تقبل أى كلام منها, وكلما حدّثتها عن أختى فى أمر ما يخصها، تثور أمى عليها برغم أنها لا تريد سوى الاطمئنان على أختى, وانجرفت اختى الكبرى فى تيار أمى، وراحت هى الأخرى تظن بصديقة أمى الظنون، وفى تلك الفترة طلب أهل فتاى أن يرتبط ابنهم بى، ويتم إعلان الخطبة, لكن ما إن علمت أمى بذلك حتى ثارت ثورة عارمة, وقالت لى إنك لن ترتبطى بهذه الأسرة, وانقلبت على صديقتها تماما, وراحت تتهمها بأنها تتدخل كثيرا فى حياة الآخرين مع أنها سيدة اجتماعية تحب العلاقات الأسرية والاندماج ولا تتأخر عن أحد فى أى خدمة تستطيع أداءها. ومرت الأيام وتزوجت أختى وكنت وقتها فى السنة الرابعة, أما فتاى فقد تخرج فى الجامعة التى يدرس بها وكان والده مريضا مرضا شديدا فعرض عليه أن يتقدم بطلب يدى لكى يطمئن عليه ويحسم هذا الأمر قبل رحيله, وزارتنا والدته وأبلغت أمى بما ينويه زوجها لكنها تهربت من الرد عليها بقولها إنه توجد لى أخت أكبر منى ولم تتزوج بعد, ولا يصح أن أتزوج قبلها, فردت عليها والدة فتاى بأنه يمكنهم الانتظار أى فترة حتى تتزوج أختى, لكن والدتى واصلت معها أسلوب المماطلة, وقابل فتاى والدى وعرض عليه الأمر فوافق على طلبه لأنه لم يكن يعلم بموقف والدتى التى غضبت غضبا شديدا من موقفه, وقالت له لابد أن تحل كلامك معه لأنه لن يتزوج ابنتي!. ولم يمر أسبوع على ذلك حتى توفى والد فتاى وحاولت أن أثنى أمى عن موقفها, فهى تعلم مدى حبى لفتاى، ولا أدرى لماذا تتخذ هذا الموقف المتعنت منه, وعبثا تذرعت بأسباب واهية تتعلق بخلافها مع والدته فى مواقف تافهة, كما أنه يعمل مندوب مبيعات فى القطاع الخاص، وهى تريد أن تزوجنى من شاب يعمل بالحكومة فى وظيفة مضمونة. لقد مر عام ونصف العام وأنا أتعذب وطوال هذه المدة يقول لى أبى إنه سوف يتم الموضوع، ولكن أمى للأسف مسيطرة عليه تماما, والغريب أن معاملته لفتاى قد تغيرت كثيرا وأصبح يعامله بجفاء شديد, ومع ذلك فهو متمسك بى برغم كل ما يلقاه من عناد ومعاملة سيئة، وموقف والدته فى مصلحتى، فهى تريد أن يسعد ابنها وأن يجد من تسعده, حتى ولو غادرت البيت الذى تسكنه لكى تزوج ابنها فيه, فهل الأنانية والطمع وحب النفس من جانب الآباء يمكن أن تهدم عشا جديدا من الحب يحاول أن يبنيه شابان فى مقتبل العمر؟. ولكاتبة هذه الرسالة أقول: الواضح أن هناك موقفا غامضا فى علاقة أسرتك بأسرة فتاك, هو الذى دفعها إلى اتخاذ هذا الموقف المعاند لارتباطك به, وربما يكون عدم زواج أختك التى تكبرك فى السن من بين الأسباب التى دفعتها إلى ذلك, فهناك كثير من الأسر ترفض زواج البنت الصغرى قبل أختها الكبرى من منطلق نفسى, لكن هذه الأسباب لا تكفى وحدها لرفض من تقدم للارتباط بك, وهو القريب منك فى السن والمناسب لك من الناحية الاجتماعية بحكم العلاقة التى ربطتك به على مدى خمسة عشر عاما!..من هنا أدعو أباك لحسم الأمر بقبول خطبتك لهذا الشاب الذى ترين فيه أمل حياتك ومنقذك من العذاب الذى تعيشينه فى ظل أسرة أصبح كل همها التفكير فى النواحى المادية, وكم ناديت من قبل بضرورة تفعيل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم «إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه....», فالأخلاق هى الأساس المتين للزوج الصالح, وأعتقد من خلال روايتك قصتك أن هذا الشاب لا غبار عليه من ناحية الدين والأخلاق, وبالتالى فلا غضاضة فى ارتباطك به, أما الأمور المادية فسوف تنصلح بمرور الأيام وما أكثر الزيجات التى قامت على الطمع المادى فكان مصيرها التفكك وتشريد الأبناء, وأحسب أن أباك يعرف ذلك جيدا, ولا أفهم سبب رضوخه لرغبة أمك دون أن يكون لها ما يبررها. إننى أدعوها إلى مراجعة نفسها, وتحكيم عقلها لكيلا تكون سببا فى تعاسة ابنتها, وأقول لأبيك: احسم الأمر وقابل هذا الشاب واقرأ معه الفاتحة إلى أجل مسمى يتم بعده عقد القران والزفاف، وأسأل الله لك التوفيق والسداد, وأن يسبغ عليك من نعمه ظاهرة وباطنة، وهو على كل شئ قدير.