ألقت الاتهامات بمعاداة السامية ظلالها علي زعامة جيرمي كوربين ونالت منه أكثر من انقسامات الحزب حول البريكست أو طريقته السلطوية في الإدارة. ومع ذلك فليس هناك إجماع في بريطانيا علي أن حزب العمال تحت زعامة كوربين أصبح «معادياً للسامية». كما أن هناك كثيرين يرون أن الحملة ضده باستخدام هذه التهمة بالذات لها جوانب سياسية واضحة. ومن المعروف أن كوربين قبل انتخابه زعيماً لحزب العمال قد انتقد كثيرا سياسات إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، والتقي في بريطانيا وخارجها بشخصيات فلسطينية ومسئولين من «حماس» و»حزب الله»، وهي نقطة تستخدمها رئيسة الوزراء تيريزا ماي ضده كثيراً خلال المداولات في البرلمان البريطاني. ويعتبر كثيرون أن تهمة معاداة السامية واتصالات كوربين مع الفلسطينيين تُستخدم أداة لقمع اي انتقادات داخل حزب العمال ضد سياسات إسرائيل. فحركة «مومنتوم» الذراع القوية لجيرمي كوربين والتي تميل لأقصي اليسار لم تخف دعمها إلي القضية الفلسطينية. وفي نظر البعض أكثر طريقة للضغط عليها ومنعها من التعبير عن دعمها للفلسطينيين هي اتهامها وكوربين بمعاداة السامية وكراهية اليهود. ومن المفارقات أن جوان راين، ثامن نائبة تستقيل من حزب العمال احتجاجاً علي ما وصفته ب «ثقافة عنصرية معادية لليهود»، هي داعمة كبيرة لإسرائيل في الحزب. وقد دعت كوربين في رسالة العام الماضي إلي إعلانه رفض حق العودة للفلسطينيين، وتأييد وقف التمويل الدولي لمنظمة «اونروا»، وهي حملة أمريكية- اسرائيلية تهدف للقضاء علي فكرة حق العودة. فتمويل النازحين الفلسطينيين وأحفادهم الذين ينطبق عليهم حق العودة، يعتبر من وجهة نظر جوان راين وآخرين «انتهاكا لحق إسرئيل في تقرير المصير» واعترافا بأن الفلسطينيين «تم تشريدهم» بسبب تأسيس دولة إسرئيل. ولإلقاء الضوء علي ما هو مفترض من «توغل» معاداة السامية في حزب العمال، نشرت صحيفة « تايمز» البريطانية العام الماضي تقريراً بعد جرد وتمحيص حسابات 20 مجموعة من مؤيدي كوربين علي فيسبوك (بإجمالي عدد أعضاء 400 ألف شخص)، كدليل علي نوع التعليقات المعادية للسامية وسط انصار زعيم حزب العمال. لكن حقيقة الأمر أن التعليقات كانت مرتبطة باستجواب الصحة التاريخية للهولوكوست، والنفوذ المالي الكبير لليهود في العالم، وسياسات إسرائيل التوسعية. وعلي هذه الخلفية أيضاً، تم خلال الجدال الحالي إستدعاء تصريحات تعود لعام 2016، تتضمن دعوة النائبة ناز شاه عن حزب العمال على نقل نقل إسرائيل إلي امريكا لحل الصراع مع الفلسطينيين، وربط النائب السابق البارز عن الحزب وعمدة لندن السابق كين ليفنجستون بين الحركة الصهيونية والنازية عندما قال إن «هتلر دعم الحركة الصهيونية قبل أن يجن ويقتل 6 ملايين يهودي». وهي التصريحات التي أدت آنذاك إلي هجوم عنيف ضد كوربين وحزب العمال الذي قام ساعتها بتجميد عضوية شاه وليفنجستون وفتح تحقيق في الواقعتين. كما تم الاتفاق علي مراجعة مدونة السلوك الحزبي بحيث يتم التصدي بشكل أكثر صرامة لكل أشكال التمييز ومعاداة السامية. أما أكبر أزمات معاداة السامية داخل حزب العمال، فنشبت عندما رفض كوربين اعتماد ما يسمي ب»إعلان استوكهولم للتعريف العملي لمعاداة السامية»، وهو إعلان اعتمدته عدد قليل من الدول والمؤسسات في مايو 2016. ويتضمن «اعلان استوكهولم» تحديدا أمثلة معاصرة لمعاداة السامية. لكن العديد من هذه الأمثلة كانت مثاراً للجدل بوصفها تضيق حرية التعبير فيما يتعلق بانتقاد سياسات دولة إسرائيل التمييزية والعنصرية حيال الفلسطينيين. من ضمن الأمثلة التي قدمها التعريف علي معاداة السامية: إنكار حقيقة أو نطاق أو آليات (مثل غرف الغاز) أو قصد الإبادة الجماعية للشعب اليهودي علي أيدي ألمانيا الاشتراكية الوطنية وأنصارها والمتواطئين معها خلال الحرب العالمية الثانية (الهولوكوست). اتهام اليهود كشعب ، أو إسرائيل كدولة، باختراع أو المبالغة في محرقة اليهود. اتهام المواطنين اليهود في أي دولة بأنهم أكثر ولاء لإسرائيل، أو للأولويات المزعومة لليهود في جميع أنحاء العالم، من مصالح دولهم التي يعيشون فيها. حرمان الشعب اليهودي من حقه في تقرير المصير، علي سبيل المثال، بالادعاء بأن وجود دولة إسرائيل تم عبر ممارسات عنصرية. رسم مقارنات للسياسة الإسرائيلية المعاصرة مع سياسة النازيين. تحميل اليهود مسئولية جماعية عن أفعال دولة إسرائيل. اعتبار وصف إسرائيل بكيان عنصري -استعماري بحد ذاته معاداة للسامية. ومن ضمن 31 دولة ومؤسسة صدقت علي التعريف، 6 فقط صدقوا عليه بالامثلة المرفقة به. ولنحو عام ظل كوربين يرفض إعتماد «اعلان استوكهولم» بالأمثلة المرفقة به واعتبره ضمن آخرين في حزب العمال يضع قيودا كبيرة علي حرية انتقاد سياسات دولة إسرائيل ويخلطها عمداً بمعاداة السامية. لكن تحت ضغط متصل، أضطر كوربين للتراجع واعتمد الاعلان بنهاية العام الماضي.