من الأمور المهمة المتعلقة بإدارة أصول الدولة، ليس فقط العائد الاقتصادى منها، ولكن يضاف الى ذلك الحصول على هذه العائدات، فلا يعقل انه رغم ضآلة الرسوم المستحقة على هذه الأصول.. نتيجة للعقود القديمة، ألا يتم تحصيلها, وهو ما يثير مسألة المتأخرات والمستحقات الحكومية والتى تتزايد عاما بعد آخر، اذ ارتفعت من 111 مليار جنيه فى نهاية يونيو 2010 الى 316 مليارا فى نهاية يونيو 2018 (يستحوذ الجهاز الإدارى على 298 مليارات والهيئات الخدمية 13 مليارا والمحليات 5 مليارا), مع ملاحظة ان هذا الرقم لا يتضمن الهيئات والوحدات الاقتصادية والكيانات ذات الطبيعة الخاصة، فمثلا وصل رصيد المديونية المستحقة لبنك الاستثمار القومى طرف هذه الجهات نحو 289 مليارا فى نهاية يونيو 2018 وترجع خطورة المشكلة فى كونها تؤدى الى ضياع جزء لا بأس به من أموال الدولة نتيجة لتعرضها للسقوط بالتقادم، او تحصيلها بأقل مما يجب، وبالتالى حرمان الخزانة العامة من هذه الأموال، ناهيك عن ارتفاع تكلفة الحصول عليها عبر النظم القضائية او غيرها ومعظم هذه المستحقات هى متأخرات ضريبية والتى وصلت الى 171 مليارا (منها 129 مليارا ضرائب عامة ونحو 25 مليارا للمبيعات ونحو 17 مليارا للجمارك), يليها متأخرات مستحقة للقضاء والنيابة بنحو 61 مليارا ثم متأخرات مستحقة لوزارة المالية لدى بعض الهيئات الاقتصادية وشركات قطاع العام والمؤسسات الصحفية بنحو 54 مليار جنيه وتختلف أسباب هذه الظاهرة بين القطاعات وبعضها البعض, فالمستحقات القضائية ترجع الى عوامل عديدة، منها عدم تحصيل الرسوم مادامت المنازعات ظلت قائمة، وذلك فى ضوء حكم المحكمة الدستورية بعدم جواز تحصيل الرسوم القضائية إلا بعد الفصل فى الاستئناف وصدور الحكم فى الدعوى النهائية، كما ان التقرير بالمعارضة فى الاحكام القضائية من شأنه إيقاف الاحكام الصادرة بالغرامات لحين صدوره حضوريا ونهائيا، ناهيك عن التعديلات التى جاء بها القانون رقم 7 لسنة 1995 بتعديل بعض أحكام قانون الرسوم القضائية والتى أعطت لمن صدر الحكم لصالحه الحق بتنفيذه بموجب صورة تنفيذية تسلم إليه دون إلزامه مسبقا بدفع الرسوم القضائية والمصاريف، كل هذه العوامل أدت الى تضاعف هذه المستحقات من نحو 30 مليار جنيه فى يونيو 2015 الى 61 مليارا فى يونيو 2018. أما بالنسبة للمتأخرات المستحقة لوزارة المالية فترجع الى عدم قيام الهيئات والوحدات الاقتصادية بسداد أقساط وفوائد القروض المعاد إقراضها، وكذلك عدم تحصيل مستحقات الخزانة عن حصة الدولة فى الأرباح والفوائض وتحميل الموازنة بفوائد تغطية رصيدها المكشوف بالبنك المركزي, واستمرار تأخر الجهات فى سداد مقابل الانتفاع عن الأراضى المؤجرة لها، وعدم التزام بعض الجهات بتطبيق بعض الأحكام والقوانين والقرارات المنظمة لتحصيل بعض أنواع الإيرادات وعدم اتخاذ الإجراءات الواجبة لتحصيل البعض الآخر، ويتضح هذا بشدة فى عدم التزام بعض الجهات بتوريد النسبة المقررة من جملة إيرادات الصناديق والحسابات الخاصة والمقررة لصالح الخزانة العامة، وفقا للقوانين والتأشيرات المختلفة، وذلك حيث يتم تحصيلها فى بعض الأشهر دون البعض الآخر. وعدم قيام البنك المركزى بعملية الخصم الشهرى عليها فور توريد الإيراد المستحق وغيرها من العوامل والتى أدت الى زيادة هذه المبالغ من نحو29 مليارا فى يونيو 2015 الى 54 مليارا فى يونيو 2018. اما المتأخرات الضريبية فهى مجموع أرصدة الضرائب واجبة الأداء المستحقة للمصلحة طرف مموليها وغير المحصلة فى تاريخ محدد. بالتالى تشمل الربط من واقع الإقرار فى حال قبول الممول، والربط لعدم تقديم الإقرار او لعدم الطعن او طبقا لأحكام المحكمة. مع ملاحظة ان أحد المعايير المهمة للعدالة الضريبية هو اليقين والذى يتعلق بهل يقوم الأفراد بدفع الضرائب المستحقة عليهم ام لا؟ وهو ما يتعلق بالمتأخرات الضريبية والتى ارتفعت من 85 مليارا فى يونيو 2015 الى 129 مليارا فى يونيو 2018, يستحق منها على القطاع العام وقطاع الاعمال العام والهيئات العامة نحو 37 مليارا مقابل نحو90 مليار جنيه مستحقة طرف القطاع الخاص. اما بالنسبة للمتأخرات على مستوى نوع الضريبة فمعظمها يأتى من إيرادات النشاط التجارى والصناعى إذ وصل هذا الرصيد الى 41 مليار جنيه، يليه ارباح شركات الأموال بنحو 36 مليار جنيه. ناهيك عن المؤسسات الصحفية التى وصلت متأخراتها الى 12 مليار جنيه. وترجع متأخرات الضرائب المستحقة على قطاع الاعمال العام الى الاختلاف بين مصلحة الضرائب والشركات القابضة، إذ ترى الثانية انه لا مجال لاحتساب ضرائب عن نتائج أعمال الخصخصة وبيع الشركات، لأن ناتج هذه العملية قد ذهب فى جانب منه إلى الخزانة العامة، كما أن جانبا آخر قد استخدم فى إعادة هيكلة وإصلاح الشركات الاخرى أو استخدم فى تمويل عمليات المعاش المبكر للعاملين، ناهيك عن صعوبة تحصيل هذه الأموال. وعلى النقيض من ذلك ترى المصلحة أن الأرباح الناتجة عن بيع أى أصل من الأصول الرأسمالية تخضع للضريبة على أرباح شركات الأموال، وبالتالى كان من الواجب ان يتم سدادها قبل القيام بأى عمليات اخرى. وهى من الأمور المهمة التى يجب ان يتدخل المشرع لحلها. وهنا تطرح مسألة التسويات والتصالح والتجاوز عن مقابل التأخير والغرامات والتى تمت وفقا للقانون رقم 174 لسنة 2018 والذى ادى إلى تحصيل مبلغ 4٫6 مليار جنيه والتجاوز عن نحو 7٫6 مليار جنيه، وقانون إنهاء المنازعات الضريبية الذى صدر سبتمبر 2016 والذى هدف الى نفس الموضوع، فرغم النيات الطيبة الخاصة به إلا انه يثير العديد من الموضوعات المهمة يأتى على رأسها الأثر على الممول الملتزم الذى قام بسداد المستحق عليه فى وقته دون أى مشكلات قانونية، إذ انه بمقتضى مثل هذه الأمور قد يرى انه ظلم نتيجة للالتزام وكأننا نعاقب الملتزم ونكافئ المخالف، فهل هذا مطلوب ؟!ان ما يدفعنا لطرح هذه المسألة ضخامة الوعاء الضريبى المتنازع عليه والذى يقدر بنحو 900 مليار جنيه ضريبة دخل و55 مليار جنيه وعاء كسب العمل و4 مليارات جنيه وعاء تمغة، وهى مبالغ ضخمة تحتاج الى تدخل تشريعى لعلاج هذه الاوضاع حتى تتضح الصورة الحقيقة للمالية العامة للدولة. لمزيد من مقالات ◀ عبد الفتاح الجبالى