أتصور ان كل المصريين قد سعدوا بتوجه مصر ورئيسها تجاه إفريقيا.كل ما نرجوه أن تكون عودة مصر إلى رئاسة الاتحاد الافريقى فرصة لأن تتواصل مصر وشعبها مع الظهير الجغرافى والانسانى الذى تربطنا الطبيعة به. وبالرغم من علمنا أن الرئاسة المصرية للاتحاد هى لمدة عام فأن الاستفادة القصوى من هذه العودة مطلوبة بشكل قوى وعلى كل المستويات الشعبية والرسمية بكل مجالاتها. بل نريدها بداية تقود الى استمرارية لا تنقطع كما انقطعت بدءا من العقد السبعينى من القرن الماضي. ولا نعنى بذلك ان عودتنا الافريقية هى لأن نستفيد منها وإنما لنفيد الإخوة الأفارقة الذين احسوا بإخوتنا خلال العقدين الخمسينى والستينى ثم افتقدوا هذه الإخوة بعد ذلك، فبتنا نحن الخاسرين. لابد لنا من ملاحظة ان إفريقيا عام 1963 عام تأسيس منظمة الوحدة الافريقية لم تعد إفريقيا القائمة الآن عام 2019. كما ان الاطار العام للعلاقات الدولية لم يعد ذات الاطار الآن. فى العقدين الخمسينى والستينى كنا فى مرحلة ما نسميها، ولا زلنا، بمرحلة النضال التحررى ضد الاستعمار العسكرى المباشر. وكنا نبشر بما كنا نسميه «ثم نسيناه» بالتحرر من التبعية الاقتصادية. كان عدد الدول الافريقية التى انضمت الى المنظمة 32 دولة هى كل الدول المستقلة حينذاك وبات العدد لآن خمسين دولة مستقلة ولكن ينقصها الكثير لتصبح دولا تتقدم إلى مراحل لتصبح ملكا حقيقيا لشعوبها. كنا نعيش فى عالم القطبين، الاشتراكى والرأسمالي، وكان مجرد وجود الاتحاد السوفيتى «بكل ثقله السياسى والاقتصادي» فى ظهرنا كفيل بتسهيل البعض من حركتنا ضد الاستعمار القديم. وكانت حركة مصر فى مساندة حركات التحرر حركة نابعة من مبادئ الاعلان العالمى لحقوق الانسان وهى المرحلة التى شهدت بزوغ قيادات سياسية وفكرية تعى مصالح الشعوب الصغيرة وطموحاتها. قيادات كنهرو فى الهند وتيتو فى يوغوسلافيا، بينما كان فى مصر، جمال عبد الناصر بكل جماهيريته وشعبيته التى اكتسبها خلال الحقبة الخمسينية. لذا لم يكن من المستغرب ان تحتضن مصر كل مكاتب وقيادات حركات التحرر الافريقية حتى ان مصر كانت الدولة الأولى التى التقطت ثم احتضنت قضية اعتقال المحامى المناضل نليسون مانديلا وتقديمها الى الرأى العام العالمى قبل اى دولة أو حركة سياسية اخري. حينذاك، كانت افريقيا خارجة من مرحلة استعمار عسكرى كثيف الاستغلال، وتعانى شعوبها الفقر والجهل والمرض وعدم توافر الكوادر المهنية التى تساعدها على تحقيق قدرا من الاستنهاضة الاقتصادية والاجتماعية. بالرغم من امتلاك هذه القارة ثروات طبيعية فوق الارض وتحتها. ولم يكن احد من ابنائها يحصل على التعليم الا اذا كان من نسل قبيلة كبيرة تملك ارساله للعاصمة المركز المستعمرة فى اوروبا للحصول على اى قسط من التعليم. لذا كان دخول مصر الى افريقيا من خلال المساندة السياسية ثم مد خطوط الطيران المباشر وتقديم بعض المنح الدراسية كفيلا بجمع الشمل المصرى الافريقى الذى لا يزال بعض من الأفارقة يتذكرونه بكل تقدير. والآن نذهب الى افريقيا او تأتى الينا القارة السمراء وقد تغيرت خلال المرحلة من 63 الى 2019. لم تتغير احوالها الداخلية فحسب وانما تغير الاطار السياسى الدولى المحيط بها. أهم ما يتصف به الاطار العالمى هو انه بات احادى القطبية الى الآن وان صراعا حادا يجرى بين عدد من الدول لاختراق هذه الأحادية وأن القارة الافريقية إحدى هذه الساحات لهذا الصراع. يحدث هذا الصراع فى الوقت الذى تشهد فيه القارة تغيرات داخلية كبيرة، اهم ما تتسم به هو ذلك النمو الملحوظ لشرائح الطبقة الوسطى المرتبطة بالاقتصاد العالمى وبكل ما يحيطها من تغير اجتماعى وثقافى وفني. لم يصل هذا النمو الى درجة وصول قدراته لقيادة تغيير سياسى مجتمعى ولكنه يستمر فى النهوض وخاصة فى بلدان كنيجيريا وجنوب افريقيا. كما أن فى عام 1963 لم يكن فى إفريقيا تنظيم إرهابى اسمه بوكو حرام والآن يعشش الارهاب فى مواقع منها. ومع ذلك ومع مرور أكثر من خمسة عقود على بداية اللحمة الافريقية فإننا ذاهبون إليها لنتعلم من بعض تجاربها وانجازاتها ثم لنساعدها على رسم طريق الخلاص من الكثير من مشاكلاتنا المشتركة. أول الدروس التى يجب ان نتعلمها يتصل بقضية المرأة فعلينا ان نطرح سؤالا مهماهو: لماذا حققت المرأة فى دولتى جنوب افريقيا ثم رواندا هذه النسب العالية من المشاركة السياسية البرلمانية وفى غيرها من المجالس من خلال الانتخاب الحر المباشر؟ كذلك نتعلم الوسيلة التى نجحت من خلالها بعض الدول الافريقية فى تأسيس تعاونيات زراعية ناجحة اسهمت ولو جزئيا فى حل مشكلة الغذاء فى هذه الدول؟ وفى ذات الوقت علينا التعاون مع هذه الدول وشعوبها العزيزة لخوض معارك مجابهة الامراض التى تفتك بالأفارقة ولكن بأسلوب متواصل وليس على الطريقة الامريكية. ليس بأسلوب جورج دبليو بوش عندما ذهب الى افريقيا التى تعانى مرض الملاريا الفتاك ليوزع «بعنجهية» شبكات الأسرة المانعة للناموس. فترك الرئيس بوش البيت الابيض واستهلكت الشبكات واستمر الناموس ينقل الملاريا. هذا ما يحملنا مسئولية التعاون افريقيا لمحاربة امراض كالسل وفيروس سى والايدز والملاريا وحتى تلك الامراض التى قد نكون نسيناها فى مجتمعنا كشلل الاطفال والحصبة. ولذا فإننا فى هذا الشأن لا نسعى لمجرد ارسال اطباء أو حملات طبية بقدر ما نعمل على تعليم اطباء أفارقة بعدد كاف ليعالجوا شعوبهم. لكن تستمر الدبلوماسية الشعبية من اهم طرق التواصل الشعبي. اتذكر ان العقد السبعينى من القرن الماضى اسست نقابة الصحفيين المصريين مع عدد من النقابات الافريقية اتحادا للصحفيين الأفارقة والذى رأسه الراحل عبد المنعم الصاوي. وكان من المفروض ان تتحرك النقابات المصرية الاخرى فى هذا الاتجاه ولكن بسبب التوجه المختلف للدولة حينذاك تراجعت الحركة ولم تكتمل فخسرنا اخوة لنا. نحن نتجه الى افريقيا الآن مادين ايدينا ليس لنسوق بضائعنا وإنما لنقف مع اخوة لنا ينتظروننا. لمزيد من مقالات أمينة شفيق