تعقيبا على هذه السلسلة من المنمنمات التى اخترت لها عنوان «المذكرات- حكايات أم وثائق للتاريخ؟!-» تلقيت رسالة من الباحث والمؤرخ المعروف الأستاذ د. إبراهيم العنانى ، تفضل فيها بتأكيد أن التاريخ حافل بشخصيات نسائية أظهرن تميزا فى مجالات الفنون، مشيرا إلى كتابه «إبداعات المرأة». ولقد تفضل د. العنانى بإضافة معلومة قيمة وهى أن الفنانة «مريم سماط» التى أشرت إليها فى مقالى السابق كتبت أولى مقالاتها فى جريدة «الاهرام» فى 31يوليو1915، ونشرت أول لائحة للمسرح. وفى إشارة عابرة، أوضح الباحث الكبير أنه سيرفق موضوعا حول تداعيات زواج فاطمة سرى من نجل السيدة هدى شعراوي. ورغم أن الموضوع لم يصلنى حتى لحظة كتابة هذا المقال فإن المعلومات القيمة التى تفضل المؤرخ د. العنانى بإضافتها فى رسالته القصيرة تؤكد أن فن السيرة الذاتية والمذكرات مجال يستحق مزيدا من الاهتمام والدراسات العلمية. فى السياق نفسه، نتوقف أمام النتائج التى خرجت بها الباحثة د. سامية حبيب فى دراستها لمذكرات رائدات المسرح المصرى فى النصف الأول من القرن العشرين، إذ تقول إن الممثلات فى بواكير المسرح المصرى جمعن بين كل الجنسيات والأديان دون تمييز إلا للموهبة الأصيلة والقبول الجماهيرى، وإن نشاط أغلبهن بدأ بالغناء، فتمثيل أدوار لرجال أو صبيان، ثم تمثيل أدوار الفتيات والنساء . فكانت منيرة المهدية أول ممثلة تؤدى أدوار الرجال على خشبة المسرح عندما مثلت دور «وليام» فى رواية «صلاح الدين»، وبعدها روزاليوسف عندما أدت دور « ديفيد كوبر فيلد»، ثم فاطمة رشدى التى لعبت دور «الشريد» فى رواية «الشريدان» ، ثم «النسر الصغير»، ودور قيس فى مسرحية «مجنون ليلى» لأحمد شوقى. وتوضح الباحثة أن المرحلة الأولى للمسرح المصرى شهدت إسناد أدوار المرأة إلى ممثلين رجال، وأن الأمر استمر سنوات، مشيرة إلى تقبل الجمهور الأمر! ، وتفسر د. سامية حبيب الأمر باحتمالين: فإما أن الجمهور كان متفهما لظروف عصره وأثرها على المسرح ، أو أن الجمهور كان على درجة من الوعى جعلته يتقبل الوهم المسرحى فى داخل اللعبة المسرحية بكل شروطها!. كذلك ترصد الباحثة من خلال تحليلها المذكرات ظاهرة انتشار النصوص المسرحية المترجمة نتيجة قلة النصوص العربية آنذاك، مؤكدة أن استمرار الممثلات وصاحبات الفرق المسرحية فى العشرينيات والثلاثينيات شجع الكتاب على تقديم نصوص مسرحية مصرية نثرا وشعرا بالفصحى وباللغة العامية، مثل «دخول الحمام مش زى خروجه» لإبراهيم رمزى، و«الذبائح» أنطوان يزبك، ومسرحيات أمير الشعراء وبيرم التونسى التى قدمتها فرقة فاطمة رشدى، ونصوص محمد تيمور ومحمود تيمور وغيرها. كما توضح الباحثة أن قراءة هذه المذكرات مجتمعة تكشف عن تشابه بدايات المسرح المصرى مع بدايات المسرح فى كل الثقافات تقريبا، وأن تلك المرحلة شهدت سلبيات وإيجابيات؛ من قبيل العشوائية وضعف التخطيط، وسيطرة أصحاب الفرق على الفنانين، وانتشار صور عدم الاحترافية أو ما أصبح يعرف فيما بعد ب«آداب وتقاليد المهنة». كما توضح أن علاقة الفنان بالصحافة والنقد شابها كثير من التخبط والمزاج الشخصى آنذاك، بدءا من منع الناقد من دخول المسرح « كما جاء فى مذكرات بطلات مسرح رمسيس»، وصولا للتلاحم بالأيدى والضرب والسب!! . فى المقابل تسلط مذكرات الرائدات الضوء على بعض المواقف فى السياسة ، مثل مظاهرة فنانى المسرح للإفراج عن سعد زغلول، والدور الإيجابى للفن فى المجتمع، وأن السينما المصرية فى بدايتها اعتمدت على ممثلات ورجال المسرح. وأخيرا وبعد هذه القراءة السريعة فى عدد من الدراسات العلمية التى تناولت فن السير الذاتية والمذكرات، وكشفت عن حكايات ووقائع وصفحات من تاريخنا سقطت سهوا أو أغفلها المؤرخون والكتاب عن عمد!!،أظن أن كل قراءة جديدة تتسم بالموضوعية واستنباط ما بين السطور والتحقق منه باتت فرض عين. لمزيد من مقالات سناء صليحة