ما أحبُّ الأعمال إلى الله؟، وهل ما نحبه هو ما يحبه الله؟، سؤال شغل بال كثيرين على مر الأيام والسنين، ذلك أن شرائع الإسلام كثيرة، والعمر قصير، وقد يستنزفه المرء في أعمال مرجوحة أو مفضولة، وبالتالى لا تكون رؤيته سديدة، ولا عمله موفقًا، ولا تجارته رابحة، بل قد ينقُصُ أجره عن عمله، برغم وفرة جَهده. رسول الله، صلى الله عليه وسلم، هدى العقول، وأراح النفوس، فأجاب عن السؤال السابق، إجابات وافية، في أحاديث عدة، فروى مسلم عن عائشة، رضى الله عنها، قالت إنه، صلى الله عليه وسلم، سُئِلَ:أيُّ الأعمالِ أحبُّ إلى اللهِ؟ قال: "أدوَمُها، وإن قلَّ". وأيضًا قال: "اكْلَفُوا مِنَ الأَعْمَالِ مَا تُطِيقُونَ, فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لا يَمَلُّ حَتَّى تَمَلُّوا". (البخاري)، والمعنى: "اعملوا ما تطيقونه، ولو كان شيئًا قليلًا". وشدَّد الفقهاء على أن هناك ثلاثة شروط لأفضل الأعمال: أن يرتبِطَ فضلُه بوقتِه، وأن يجتمع فيه صَلاحُ القلب وحُضورُه، وأن يتعدَّى فيه الخير النفس إلى الناس، مشدِّدين على أن الواجب مقدَّم على غيره، وأن المستحبَّ مقدَّم على المباح. ومنذ لحظة نزول الوحي وجَّه الله، تعالى، نبيِّه الكريم، إلى أن يستعين بالعمل الذي يُقَوِّمُ به نفسه، ويُقَوِي به إيمانه، أولًا. فقال تعالى: "يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا".(المزمل: 1و2). وقال: "وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا".(الإنسان: 26). وقال: "فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ * وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ".(الحجر: 97 - 99). هذه الآيات، كافًة، تؤكد أهمية الصلاة، بعد الشهادتين، باعتبارها الرّكن الثاني للإسلام، فبضبطها ينضبط كل شيء، في حياة المرء. قال تعالى: "فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا". (مريم : 59). وفي الحديث المتفق عليه، عَنْ عَبْدِ اللّه بن مَسْعُودٍ، رضي اللّه عنه، أنه قال: "سَأَلْتُ رَسُولَ اللّه، صَلَّى اللّه عَلَيْهِ وَسلَّمَ: أَي الْعَمَلِ أَحَبُّ إلى اللّه؟ قال: "الصَّلاةُ عَلَى وَقْتِهَا". قُلْتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قال: "بِرُّ الْوالِدَيْنِ". قُلْتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قال: "الجِهَادُ في سَبِيلِ اللّه". قال العلماء: "هذا على وجه الخصوص، أما عمومًا، فتختلف أفضلية الأعمال، من مكان لمكان، ومن زمان لزمان، ومن شخص لشخص". ويحكم ذلك قوله تعالى في الحديث القدسي: "وما تقرَّب إليَّ عبدي بشيءٍ أحبَّ إلي ممَّا افترضت عليه".(رواه البخاري). أحب الأعمال إلى الله لا ينحصر، إذن، في عمل واحد بل في أعمال عدة تتفق في الإخلاص لله، والإحسان لخلقه. وكمثال روى ابن عمر، أن النبي، صلى الله عليه وسلم قال: "من أفضل العمل إدخالُ السرور على المؤمن؛ تقضى عنه دَيْنًا، تقضى له حاجة، تُنفِّس له كربة". (صححه الألباني). إن الخوف، كل الخوف، من نقص الأجر مع زيادة الجهد بسبب الغفلة عن فقه فضائل الأعمال، ومن هنا يلزَمُ كلَّ مسلم أن يتثقف بهذا العلم، وأن يحمل هذا الفقه. [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد