تعد الخطوة المزمع اتخاذها قريبًا فى ليبيا بمنزلة نقطة التحول الحقيقية فى إنهاء الفوضى وإحراز إنجاز فعلى فى هزيمة الميليشيات الإرهابية بتنوعاتها، ولا شك أن قرار البرلمان الليبى بشأن الطلب المقدم من بعض النواب لحظر جماعة الإخوان سيترتب عليه العديد من النتائج المتعلقة بمستقبل ليبيا والاستقرار فى المنطقة العربية. لن تؤتى نجاحات الجيش الليبى الذى أحرز أخيرا تقدمًا ملحوظًا بالمنطقة الجنوبية ثمارها المرجوة إلا بعد كسر حلقة الإخوان الأهم والأخطر بالدائرة الإرهابية، والتى تقوم بدور هندسة العمليات الإرهابية وتوزيع الأدوار بين الميليشيات المسلحة والتنسيق بينها وبين القوى الخارجية الممولة لها، والعمل على عرقلة التسوية السياسية وإعاقة بناء مؤسسات الدولة والحيلولة دون توحيد الجيش وبسط سيطرته على كامل أراضى البلاد، وهو ما يوفر المناخ لنشاط تنظيمات داعش والقاعدة، بمعنى أنه ما دامت جماعة الإخوان حاضرة بتلك الأدوار فهزيمة الإرهاب مؤجلة رغم انتصارات الجيش, لأن هناك من يمنح ميليشياته فرص تجاوز هزائمها وإعادة إنتاج نفسها من جديد.تتطلع ليبيا لتحقيق ما تم إنجازه فى مصر عبر استئصال الجماعات الإرهابية والميليشيات المسلحة ووقف التدخلات الخارجية فى الشأن الليبى وحرمان تركياوقطر مما يمتلكانه من أوراق، وهذا لن يتحقق بشكل كامل من دون حرق الورقة الرئيسية، وهى جماعة الإخوان التى خلقت مناخ الفوضى والتفكك الأمنى منذ 2011م ومكنت داعش من فرض سيطرته على مدن بكاملها ثم انقلبت على الشرعية عام 2014م بعد خسارتها فى الانتخابات التى رفضت نتائجها منتجة حكومة موازية داعمة للإرهاب أملًا فى تحقيق أهداف أردوغان الطامع فى ثروات البلاد وفى النفوذ السياسى العابر للحدود، ما أدى إلى حرب أهلية فى طرابلس والمناطق المجاورة، وإلى اقتحام مؤسسات الدولة وترويع السكان وتوسيع نطاق الصراعات المسلحة وحرق المطار الدولي. ما يجمع هذا الحلف الشيطانى بتركياوقطر والإخوان وداعش والقاعدةا هو العداء الكامل للجيش الليبى الذى يقف فى وجه مشروعهم التخريبي، وسر نجاح مصر فى تفكيك هذا الحلف أنها لم تبق على حلقة من حلقاته، بينما فى ليبيا لا يزال أطرافه ينقذ بعضهم بعضًا وكلما خطا الجيش خطوة فى المصالحة الوطنية والتسوية السياسية ومحاربة الفساد والإرهاب وتبديد ثروات الليبيين سعت جماعة الإخوان وداعموها لإفسادها. داخليًا ستدعم خطوة حظر جماعة الإخوان جهود القيادة العسكرية فى حربها ضد الإرهاب وستمكن الجيش من تطهير البلاد من الإرهابيين ومن تأمين الحدود ووقف أنشطة المرتزقة الأفارقة، لأن من يقف وراء دعم هذه الممارسات جميعها خاصة فى الجنوب الغنى بالثروات هى جماعة الإخوان وكيل قطروتركيا فى الداخل الليبي، علاوة على حرمان تلك الأطراف التخريبية من تحقيق هدف تقسيم البلاد عبر نشر العصابات المسلحة وتعميق الفوضى والانقسامات السياسية والمجتمعية. عندما يُحظر نشاط جماعة الإخوان باعتبارها جماعة إرهابية فى ليبيا يكتمل نجاح مصر فى القضاء على التنظيمات الإرهابية على أراضيها؛ فالنجاح الليبى المماثل فى القضاء على امتدادات تلك التنظيمات على الأراضى الليبية وفى مقدمتها امتداد التنظيم الأم من شأنه قطع الاتصال بين تلك الجماعات الإرهابية عبر السلاح والتدريب وحرمانها من إمكانية تعويض هزيمتها فى الساحة المصرية عبر إعادة ترتيب صفوفها واستعادة قوتها عبر حضورها فى الساحة الليبية، ويمكننا توضيح ما يعنيه ذلك لمصر وليبيا معًا فى نقاط سريعة: أولًا: الحد من خطورة ظاهرة الجريمة المنظمة التى تشمل تهريب السلاح والمخدرات وغيرها على جانبى الحدود الليبية المصرية، خاصة أنها تشكل قاعدة اقتصادية وتمويلية للتنظيمات الإرهابية منطلقة من العمق الإفريقي. ثانيًا: حماية المصالح الاقتصادية المصرية الحيوية، تلك التى استهدفتها الجماعات الإرهابية طوال الأعوام الماضية انطلاقًا من تمركزها الليبي، خاصة المتعلقة بالاستثمارات والسياحة واستهداف العمالة المصرية بليبيا. ثالثًا: حرمان التنظيمات الإرهابية المسلحة من ملاذها الآمن بمناطق جنوب غرب ليبيا وشرقها، وهو ما يعنى حرمان الجهاديين من موضع إستراتيجى هدد بشكل مباشر العمق المصرى كانوا قد نجحوا فى السيطرة عليه على مدى عدة أعوام. رابعًا: عرقلة سيناريوهات تقسيم ليبيا إلى ثلاث دويلات ببرقة وفزان وطرابلس، أو تغيير تركيبتها الجغرافية والسكانية فى ضوء إعلان بعض الجماعات بإيعاز ودعم من الإخوان عن نزعات انفصالية مع سعيها لتشكيل جيش مواز فى الجنوب مما يعرض مصر وليبيا على حد السواء لعدم الاستقرار. خامسًا: بالحظر القانونى لجماعة الإخوان فى ليبيا يفقد أردوغان محطة مركزية للتنظيمات الإرهابية التى سعى بتمويلها وتسليحها لإحياء مشروعه باحتلال المنطقة العربية من جديد بعد الضربة التى تلقاها فى يونيو 2013م، ما يعنى ضربة جديدة وهزيمة فى بلد عربى آخر يرفع رايات الكرامة والحرية والاستقلال والحفاظ على الثروات العربية وحماية الأمن القومى العربى. لمزيد من مقالات هشام النجار