هى فانتازيا كوميدية مبهجة وضاحكة بامتياز، رغم تفجرها من قلب المواقف الأكثر تراجيديا، لتؤكد أن الضحك ضرورة من ضرورات الحياة، بل إنه ذلك الدواء الذى يمحو كل أثر فى نفس الإنسان من عوامل الكآبة والارتباك، وإذا كان نجاح العمل الدرامى بشكله الكوميدى كما فى فيلم «نادى الرجال السري» يقوم على تفاعل عدد من العناصر الدرامية فإنه يمكن الزعم بأن الممثل يحتل مكان الصدارة بين كل تلك العناصر فى الأعمال الكوميدية، وهنالك دائما ميزة أو مهمة للكوميديا أنها تعتمد فى نجاحها عن عدم المبالاة من جهة الجمهور، وعدم الانغماس العاطفى فى الروح الكوميدية، حتى إنه يقال أحيانا إن الممثل الكوميدى يجب أن يمثل من عقله إلى عقول المتفرجين لا إلى قلوبهم. هذا ما بدا جليا مع فريق عمل هذا الفيلم «نادى الرجال السري«، الذى يعد الأفضل على الإطلاق فى الموسم السينمائى الحالى، لأنه ببساطة استطاع أن يؤكد أن أعظم ساعة يحياها الإنسان هى التى يضحك فيها من كل قلبه، متناسيا همومه الحياتية المصرية على قدر مرارتها، وظنى أن هذا الفيلم الكوميدى بجدارة أثبت أن الضحك صناعة تستلزم من مفكريها مجهودا هائلا يستلزم بالأساس الخبرة والنبوغ بحيث لا تتشابه اللقطات السينمائية، تماما كما قدمها المخرج «خالد الحلفاوي« فى المواقف جمعيا، الأمر الذى لا يضعف أثرها فى النفس البشرية المكلومة بفعل تقلبات الحياة المصرية الضاغطة كما هو حادث الآن فى حالتنا المصرية. المؤلف «أيمن وطار« لديه إدراك دفين بأنه لفن الإضحاك أسسه وقواعده وأهمها عنصر المفاجأة، فنحن إذا رأينا مشهدا ل «كريم عبد العزيز« أو «أدهم« أمام «ماجد الكدواني«الذى جسد شخصية «فؤاد« مثلا فلابد أن نرتعش ولا نتمالك أنفسنا من الضحك النابع من القلب، «نادى الرجال السري« جاء فى وقت عصيب ليشير إلى أن الكوميديا هى فن السخرية من الواقع سواء بالمبالغة فى الشخصية أو إبراز جانب وحيد من جوانب الشخصيات الحقيقية وجعلها تغلب على الشخصية بالعرض، وهذه السخرية لا تصنع الضحكة على وجوهنا فحسب، ولكنها تملك فى طياتها من المغزى الكثير , هى ليست محاولة لإضحاك الجماهير بل هى محاولة للسخرية من الحياة الواقعية بالمبالغة فى الشخصية أو إبراز جانب وحيد منها. الآن لابد من الإشادة بأداء النجم «كريم عبد العزيز« فى قدرته على تجسيد شخصية طبيب الأسنان «أدهم« فى خروج واضح على المألوف من شخصيات ظلت مسيطرة عليه فى أعماله الكوميدية السابقة، ولكنه فى هذا الفيلم تخلص منها تماما، ولعل الذى ساعده فى ذلك طبيعة الشخصية المختلفة التى يقدمها، حيث يجسد للمرة الأولى شخصية الأب والزوج الملتزم، على عكس ظهوره كأب فى أعماله السابقة مثل فيلم «خارج على القانون»، لتبقى شخصية «أدهم« واحدة من أفضل الشخصيات التى قدمها «كريم«عبر مسيرته الفنية نظرا لاتزانها الفنى والنفسى والكوميدى الذى ظهرت عليه. ونأتى ل «ماجد الكدواني« الذى قدم شخصية «فؤاد« الزوج المهزوز ومدير مجموعة من الفنادق وأماكن السهر، وبرع بلغة جسد مميزة فى تجسيد محاولات خيانة زوجته ولكنه لا يستطيع، فبدا لنا كأنه«الجوكر« الذى يصلح لكل الأدوار وفى كل الأوقات، وأهم مواطن الجمال الحقيقى فى أداء «ماجد» سواء فى هذا الفيلم أو فى غيره أنه لا يحاول التفلسف أو تقمص الشخصيات أو إعطاءها أكبر أو أقل من حجمها، بل دائما ما يركزفى أدائه على تقديم الشخصية بسلاسة وبساطة حتى لو كانت مركبة أو أشد تعقيدا فى سياق الأحداث، ومن ثم عندما تشاهد الفيلم ستجد أن شخصية «فؤاد« محببة جدا نظرا لبساطتها وتلقائيتها على جناح الأداء بسهولة ويسر. وكذلك الحال مع «بيومى فؤاد» الذى غير جلده فى تقديم شخصية «حيرم»، التى جاءت جادة تستمد الكوميديا من جديتها التى ينبع منها الكثير من الإفيهات والمواقف الطريفة التى انعكست على أدائه بشكل أكثر إيجابية، فضلا عن أداء مختلف لكل ضيوف الشرف وعلى رأسهم «أكرم حسنى - أحمد أمين - حمدى الميرغي« حيث جاء كل واحد منهم فى مكانه تماما. أما على مستوى إجادة البطولة النسائية فى هذا الفيلم فتتلخص فى أداء المبدعة «نسرين طافش« فى تجربتها السينمائية الأولى لها فى مصر،حيث تمتعت بالجاذبية الطبيعية التى يصدقها الناس، كما برعت فى تقمص شخصية «فريدة» انطلاقا من أن منطق الأشياء يؤكد لنا أنه لا أهمية لإحساس الممثل وعدمه إذا لم يحرك أحاسيس الجماهير، و«نسرين» نجحت بالفعل فى تحريك أحاسيس الجمهور على جناح سلامة الأفعال ومنطقها الفنى المتوازن، ولهجتها المصرية المتقنة، وتمتعها بخفة وعذوبة روحها، كما توفرت لديها حساسية مرهفة ساهمت إلى حد كبير فى جاذبية الشخصية، وامتلكت لغةحية استطاعت أن تؤثر فى الإقناع الذى يولد لغة المشاعر والفوز بقلوب الآخرين من الجمهور الذى أبدى تفاعله الشديد معها طوال الأيام الماضية على شبكات التواصل الاجتماعى.