لم يعرف تاريخ المسلمين وصف الكيانات والهيئات والأفعال بصفة الإسلامى، فقد كان المتعارف عليه أن الإسلام لا ينسب الى جماعة أو كيان، وأن الأفعال تنسب لأصحابها الذين قاموا بها، فلم يكن هناك حزب إسلامى، ولا جماعة إسلامية، ولا دولة إسلامية، فقد اتخذت الجماعات صفات أفعالها وأفكارها ولم تحتكر الإسلام وتنسبه لنفسها، فكان هناك المعتزلة والأشاعرة والمرجئة والقدرية، وكانت هناك الدولية الأموية والفاطمية والأغلبية والمرابطين والسلاجقة وغيرهم. وبسبب المواجهة مع الغرب الاستعمارى تحول الإسلام من دين وعقيدة إنسانية عالمية الى هوية وشعار وأيديولوجيا لخوض معارك سياسية، أحيانا تكون معارك تحررية ضد عدو خارجى، وأحيانا أكثر تكون معارك على السلطة والثروة والنفوذ ضد خصوم من نفس الدين والمذهب. ومنذ أربعين عاما قامت الجمهورية الإسلامية فى إيران، وبعد مرور أربعة عقود من حق الإنسان أن يسأل... ما هو الإسلامى فى تلك الجمهورية الإسلامية؟... وهنا نجد أنفسنا أمام مجموعة من المعاييرالكبرى للإسلام التى لا يختلف عليها اثنان مهما تكن الخلافات المذهبية بينهما. أولا: أعلى مقاصد الدين الإسلامى حفظ النفس البشرية، وحفظ الدماء، وأعظم الجرائم عند الله قتل النفس البشرية، وإزهاق الأرواح دون حق. وهنا نتساءل هل أسهمت الجمهورية الإسلامية فى حفظ النفوس والأرواح، وكانت فعلا مثالا لتطبيق مقاصد الشريعة التى تجمع عليها جميع المذاهب؟ والإجابة بكل بساطة يرصدها ويحفظها التاريخ من المذابح التى تمت بحق نظام الشاه، وجيشه وشرطته وجميع قياداته، ثم الحرب العراقيةالإيرانية التى راح ضحيتها الملايين، ثم تسهيل حركة القاعدة وتوظيفها لأغراض سياسية، رغم أنها آلة عمياء لسفك الدماء، ثم تسهيل غزو العراق من خلال الأحزاب التابعة للجمهورية الإسلامية؛ وما ترتب عليه من قتل وتشريد ملايين العراقيين، انتقاما من صدام حسين، وتوسيعا لنفوذ الجمهورية الإسلامية، ثم مذابح سوريا التى كان بيد الجمهورية الإسلامية أن توجد مساراً مغايراً للأحداث هناك، وأخيراً اليمن التى تحولت الى أرض للحرب بالوكالة عن الجمهورية الإسلامية ضد أعدائها. التاريخ يقول لنا إن إيران مع الجمهورية الإسلامية أسهمت فى إراقة الدماء، وإزهاق الأرواح، وإهلاك النفوس أضعاف ما كان يمكن أن يتم لو استمر نظام الشاه، ولم تنشأ الجمهورية الإسلامية. ثانيا: العدل هو أعلى قيم الإسلام، فكيف كان موقعه فى نظام الجمهورية الإسلامية؟ وهل قامت الجمهورية الإسلامية بنشر العدل داخليا وخارجيا؟... والحقيقة والتاريخ يقولان لنا إن نظام الجمهورية الإسلامية لم يكترث كثيرا لتطبيق العدل، وإنما سار مع المصالح السلطوية والانحيازات العرقية والمذهبية، ففى داخل إيران هناك تفضيل للفرس على باقى القوميات، وللشيعة على باقى المذاهب والأديان، وهناك أيضا تفضيل لأنصار النظام ورجاله على باقى المواطنين، وهناك تفضيل للمؤسسات التى تحمى النظام كالحرس الثورى على باقى المؤسسات...إذن العدل يكاد يكون غائبا عن منهجية الحكم فى الجمهورية الإسلامية. وفى الخارج ترفع الجمهورية الإسلامية شعار الثورة وهو شعار ماركسى بالأساس، ولا يظهر شعار العدل فى أجندتها الدولية، بنفس الطريقة التى يظهر بها شعار الحرية فى الأجندة الدولية للدول المنتمية للحضارة الأوروبية والتى تتخذ من الحرية قيمة عليا مثلما يتخذ الإسلام من العدل القيمة العليا. ثالثاً: العمران الذى هو جوهر وجود البشرعلى الأرض، والذى جعله الله سببا لخلق الناس وهو تعمير الأرض... ما هو نموذج الجمهورية الإسلامية لتحقيق العمران فى الأرض؛ الذى يعنى بلغة العصر تحقيق التنمية الشاملة؟... الحقيقة تقول لنا إن الشعب الإيرانى مع الجمهورية الإسلامية ازداد فقراً وحاجة، وأن طبقات واسعة فى المجتمع تعانى نقصا واسعا فى احتياجات الحياة، وأن الجمهورية الإسلامية ورموزها الدينية تحتفل بمرور أربعين عاما عليها باستعراض وسائل تدميرالأرض، وهى الأسلحة والصواريخ، ولم تظهر للعالم وسائلها فى تعمير الأرض، وكأنها تقول للعالم إن الإسلام جاء للحروب والقتال، وأن جوهره هو مراكمة الأسلحة ذات التدمير الواسع النطاق، وأنه ليس هناك مجال لتعمير الأرض. هذه مجرد نماذج للقيم الكبرى للإسلام التى لم تستطع الجمهورية الإسلامية منذ أمد طويل أن تطبق منها شيئا، وهنا نعيد إثارة السؤال... ما هو الإسلامى فى الجمهورية الإسلامية، والإجابة بكل بساطة... الإسلامى فى نظامها هو الشعارات التى يتم بها استحمار الجماهير على حد قول المفكر الإيرانى المرحوم على شريعتى فى كتابه النباهة والاستحمار، وإن الإسلام هو مجموعة أشكال ورموز فارغة المعانى مثل: العمامة اللحية، وعدم ارتداء رابطة عنق، لأن رابطة العنق شعار الكفار، وحجاب يفرض بالقوة ودون اقتناع، وملالى يملأون الطرقات، ومدارس دينية لتضخيم الثروات، وتوظيف للمذهب والتاريخ لأغراض قومية وعنصرية ولمصالح سياسية. إن سؤال ما هو الإسلامى فى الجمهورية الإسلامية ينطبق على كل من رفع نفس الشعار مثل تركيا، وينطبق كذلك على الأحزاب والجماعات، الإسلام عندهم شعار، والسلوك على العكس منه بصورة كبيرة ومؤلمة. لمزيد من مقالات د. نصر محمد عارف