قطع العالم شوطا كبيرا من الحروب من أجل السيطرة على البترول «الذهب الأسود» ، واليوم تتنافس القوى العظمى على مورد طبيعي جديد هو المعادن القيمة التي تستخدم في إنتاج بطاريات الهواتف المحمولة والسيارات الكهربائية وغيرها من أجهزة التكنولوجيا الذكية التي تتهافت كبرى دول العالم للهيمنة على أسواقها. وفي زمن التكنولوجيا ، تخلت الولاياتالمتحدة عن قوتها العسكرية كأداة للتحكم في ثروات الدول، واتجهت لاستخدام «الشركات» كوسيلة للسيطرة على المعادن في الدول الفقيرة المضطربة التي تمزقها الصراعات خاصة في أفريقيا، تحت ادعاء التنقيب «الآمن « عن المعادن دون انتهاك لحقوق عمال المناجم الذين يعملون في ظروف سيئة تحت إدارة حكوماتهم المحلية. وقد يبدو للكثيرين أن ما تقدمه الشركات الأمريكية من استثمار، هو أمر جيد بالنسبة لاقتصاد هذه الدول المضطربة ، ولكن أن تدخل في هذا المجال شركة أمريكية ذات تاريخ أسود من ارتكاب جرائم الحرب، فيجب أن يثير ذلك الكثير من الشكوك. فوفقا لتقرير نشرته مجلة» فورين بوليسي» الأمريكية، يتجه إيرك برنس مؤسس شركة «بلاك ووتر» للخدمات العسكرية الخاصة والتي سبق أن ارتكبت جرائم حرب مروعة في العراقوأفغانستان، إلى التخطيط لدخول مجال عمل جديد ألا وهو التنقيب عن معادن مثل الكوبالت والليثيوم والنحاس في كل من الكونغووأفغانستان لاستغلالها في تصنيع بطاريات السيارات الكهربائية. وزعم برنس - الذي يرأس حاليا شركة «فرونتير» للأمن والخدمات اللوجستية - أنه يأمل في أن يحول الكوبالت من «معدن صراع» في الكونغو إلى «معدن أخلاق»!! لكي تطمئن شركات التكنولوجيا والسيارات التي ستتعامل مع شركته إلى أن الكوبالت تم استخراجه دون حدوث انتهاكات للحقوق الانسانية لعمال المناجم.كما كشف عن اعتزامه استغلال المعادن في أفغانستان، مشيرا إلى لقائه عددا من المسئولين الأفغان وزعماء القبائل هناك للحصول على دعمهم في المناطق التي توجد بها تلك الموارد المعدنية كما افتتح برنس مكتبا لشركته في العاصمة الأفغانية كابول. وأوضحت المجلة الأمريكية أن تاريخ برنس المثير للجدل يلقي كثيرا من الشكوك حول أجندته الحقيقية للتدخل في هاتين الدولتين. حيث ارتكب الجنود المرتزقة المنتمون لشركة بلاك ووتر التي أسسها برنس عام 1997، جرائم بشعة ضد المدنيين في العراقوأفغانستان بعد أحداث 11 سبتمبر. كما يتردد في الإعلام الأمريكي أن برنس الحليف المقرب من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قدم خطة لإدارة ترامب لإنشاء شبكة تجسس خاصة تهدف للتصدي ل «الدولة العميقة» المتمثلة في المؤسسات الامريكية التي يرى ترامب أنها تحاربه وتسعى للإطاحة به. فضلا عن ذلك فإن برنس خضع للتحقيقات بشأن التدخل الروسي المحتمل في انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2016 بسبب لقاء سابق له مع مسئول روسي بارز قال المحققون إنه كان يهدف لاقامة قناة اتصال خلفية بين موسكو وواشنطن بعد اسبوع فقط من تنصيب ترامب للرئاسة. وذكرت «فورين بوليسي» أن تاريخ مؤسس بلاك ووتر السيئ في مناطق الصراعات جعل من الصعب تصديق أن لديه نية حقيقية أو قدرة على تهدئة العنف في الكونجو أو أفغانستان.وتابعت أنه على الرغم من أن السيارات الكهربائية تساعد العالم في التخفيف من الانبعاثات الكربونية الملوثة للهواء فإن تلك المنفعة تبدو متجاهلة تماما لآلاف الفقراء من شعوب العالم الذين سيدفعون ثمن سعي الغرب للمحافظة على البيئة من خلال استغلال موارد دولهم التي تقسمها الحروب والنزاعات. واختتمت المجلة بقولها إنه على الرغم من أن برنس هو مجرد لاعب في حركة تدافع عالمي للسيطرة على المعادن اللازمة لإنتاج الهواتف المحمولة والكمبيوتر المحمول «اللاب توب» وبطاريات السيارات الكهربائية وغيرها من الاختراعات الحديثة، فإن دوره في هذه الحركة العالمية يمكن أن يؤدي إلى تعميق عدم الاستقرار في الدول الفقيرة المصابة ب»لعنة الموارد» التي تجعل ثرواتها الطبيعية وبالا عليها بدلا من أن تكون مصدر قوتها.