لم يعد البريطانيون يتابعون تطورات ملف الخروج البريطانى من الاتحاد الأوروبى (البريكست) لأنها ستؤثر على مستقبل بريطانيا وحياتهم اليومية فقط،بل لأن المتابعة اكتسبت بعدا دراميا جديدا بفضل أداء جون بيركو رئيس مجلس العموم البريطانى صاحب الشخصية المثيرة للجدل و مطلق صيحة «النظام...النظام»الشهيرة التى انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعى قبل اسبوعين. وتشير الاحصاءات إلى أن جلسات تصويت مجلس العموم على خطة البريكست التى تبثها هيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سي» أصبحت تحقق نسب مشاهدة عالية تفوق حلقات «الأم المراهقة»التى تعرضها قناة «إم تى في» وأن السبب فى ذلك هو بيركو (56 عاما) الذى يصفه زملاؤه بأنه «حاد الطبع وسليط اللسان ويهوى الأداء المسرحي». وكانت قد جرت العادة على أن العالم خارج جدران مجلس العموم فى وستمنستر نادرا ما يلحظ رئيس المجلس والذى يكون شخصا بعيدا عن الأضواء لا ينتمى لحزب بعينه، (حيث يفرض عليه التخلى عن انتمائه الحزبى قبل تولى المنصب) يتمتع بالحيادية وأن دوره شرفى نوعا ما،دور ليس سهلا ولكنه فى نفس الوقت عادي.فرئيس مجلس العموم يتولى مهمة الحفاظ على الانضباط اثناء المناقشات واختيار من من الأعضاء سيسأل رئيس الوزراء وأى أسئلة ويتحكم فى المدة. ولكن ملف البريكست وصفات بيركو الشخصية غيرت كافة الموازين وجعلت بيركو لاعبا رئيسيا ذا شهرة واسعة. ووفقا لبوبى فريدمان مؤلف كتاب «بيركو رئيس مجلس العموم :حياة صاخبة فى حزب المحافظين» أنه فى الماضى لم يكن رئيس مجلس العموم متوقعا منه أن يتحدث على الإطلاق،فكل ما عليه هو الإشراف على المناقشات واتخاذ القرارات بشأن سيرها والسماح للجميع بالتعبير عن آرائهم. ولكن بيركو غير مواصفات وظيفة رئيس مجلس العموم. فقد نجح فى الحصول على صلاحيات استثنائية وانتزاع بعض السيطرة على اتخاذ القرار بشأن البريكست من الحكومة لصالح البرلمان. المعجبون بأداء بيركو يرون فيه مدافعا جادا عن حقوق البرلمان وأن تفسيره الأرحب للقواعد البرلمانية المتعارف عليها والانقلاب على التقاليد منح المجلس قوة أكبر فى التعامل مع الحكومة التى همشت دوره منذ البداية فيما يتعلق بملف البريكست. وذكرت صحيفة التايمز أن حكومة رئيسة الوزراء تيريزا ماى هددت بمعاقبة بيركو على ما تعتبره مواقف معادية للحكومة وذلك بحرمانه من الحصول على مقعد بمجلس اللوردات بعد تقاعده وهو الأمر المتبع مع رئيس مجلس العموم البريطانى منذ 230 عاما! أما منتقدو بيركو وخصومه فيجدون أسبابا كثيرة لمهاجمته وانتقاده.فقد أثار غضب كثيرين لرفضه ارتداء الزى التقليدى لرئيس مجلس العموم من شعر مستعار وبنطلون قصير وشراب حريرى وتفضيله ارتداء السترات وأربطة العنق ذات التصميمات الغريبة.يأخذ عليه آخرون تفضيله استخدام لغة بلاغية وكلمات معقدة ويتندر بعضهم على ذلك بالقول إنه يبدو وكأن بيركو يحفظ المعجم ليلا ثم يتلوه فى اليوم التالي. كما أنه نادرا ما ينجو أحد من تعليقاته اللاذعة و اهاناته وتنمره ويبدو أنه يستمتع بتقريظ الوزراء بل ورؤساء الوزراء والذين يردون له الكرة بالسخرية من قصر قامته! الاتهام الأكبر الذى يوجهه مؤيدو البريكست لبيركو هو انه يعمل على الحيلولة دون الخروج البريطانى من الاتحاد الاوروبي، لدرجة أن صحيفة دايلى ميل اعتبرته «المتبجح المتأنق المغرور الذى يبدى موقفه المعادى للبريكست على المصلحة الوطنية».فهؤلاء مازالوا يحسبون عليه موقفه السابق حين صوت لصالح البقاء داخل الاتحاد الاوروبى فى استفتاء 2016. كما يتناسى هؤلاء أن بيركو لا تنطبق عليه المواصفات النمطية لعضو البرلمان البريطانى من الانتماء لطبقة النخبة والتعلم فى جامعتى اكسفورد وكامبريدج..فهو حفيد مهاجر يهودى من رومانيا انتقل للإقامه فى الطرف الشرقى من لندن وهو فى السادسة عشرة من عمره أما والده فقد اضطر للعمل سائقا لسيارة أجرة بعد أن أفلست شركة بيع وشراء السيارات المستعملة التى كان يديرها.و تخرج بيركو فى جامعة ازكس فى 1985.فى شبابه كان ناشطا فى جناح اليمين لحزب المحافظين وبعد سلسلة من المحاولات حصل على مقعد فى البرلمان فى انتخابات 1997 تولى عدة مناصب فى حكومات الظل فى الفترة مابين 2001-2003.وفى عام 2005 حصل على جائزة أفضل نائب معارضة للعام. بيركو متزوج من ناشطة بحزب العمال وهو مايثير حوله كثيرا من الانتقادات أيضا. وهو لا يأبه لما يقوله عنه منتقدوه ويركز على ألا تمر رئاسته لمجلس العموم مرور الكرام دون أن يترك بصمته خاصة وأنه كان قد وصف المجلس، خلال ترشحه لرئاسته فى 2009 «بأنه أدير لفترة طويلة بوصفه مجرد ناد خاص حكرا على سادة أفاضل من الهواة».