أنا لست بكامل قواى النفسية والجسدية لكى أتحمل نظرات التربص لحياتى وحالتى الصحية، وأظل طوال الوقت متخذة وضعية الدفاع، مقسمة بثلاثات العظيم أنى مريضة بمرض مزمن، لا تتعدى نسبة التعافى منه ال40 بالمائة، مرض جل ما يميزه المكر والدهاء ليبقى فريسته تبدو طازجة شهية بينما يمخر داخلها من الجلد إلى العظم وما بينهما. فقد أبدو مستديرة الوجه حمراء الوجنتين ووجعى لا يراه إلا المحبون فقط، فى لمعة عينى المفتعلة وابتسامتى التى أنحتها بعناية متمسحة بها لعلها تقوينى على التحدى وتشد بيدى إلى بر التفاؤل والأمل، بعيدا عن أعين جحظت علىّ أغشت قلوبهم القسوة ونصبوا سدودا بينهم وبين الرحمة على كل مريض. صرت أخشى مكائد الحسد والحقد، لا أجازف بتجاهلهم فينقلب حالى وأنتكس، فليس لدى عمر يكفى لتحدى من يحسدوننى على "كحلة" عينى التى أوارى بها سواد أيامى، على صوتى الناعم الذى أنهكنى ترويضه كى يبدو مقبلا على الحياة لأجلهم، لكى أمنحهم قوتى المزيفه بينما أسيرحافية على أشواك همزاتهم ولمزاتهم، يسترقون النظر لتأبطى لزوجى فى لحظة تبدو رومانسية لمن لا ينظر إلى قلوبنا المنكسرة التى طالما تمنت خروجة كتلك بفستان سهرة وكعب عال وأحمر شفاه لقضاء سهرة صباحى قبل أن ينقضى بنا عمر الزهور الذى ذبل سريعا، وصرت أتأبطه لأتكأ عليه وأوارى عرج قدمى التى لا تحتمل زرقتها وتورمها ارتداء حذاء سهرة وربما تتشابك أيادينا على كرسى انتظار معامل التحاليل ليربت على مخاوفى من نتيجة عينه الورم، لا لكى يستعيد أمجاد حبنا العذرى، الذى حل محله التعاطف والشفقة وواجب العشرة مع أم العيال. أين أنتم منى عندما يكتئب ابنى من صداقة بدافع الشفقه عليه باعتباره يتيم لأم تعتبر فى عداد الموتى؟.. أين أنتم منى لما يطرحنى المرض أرضا أتلوى وأدق رأسى فى مرآتى التى لا تعكس لكم إلا جمالى؟.. أين أنتم منى عندما أظل وحيدة مع الألم أبكى حتى ينخلع قلبى أخفى أظل فى السرير معصوبة الرأس محلقة فى سقف يسد عنى رحمة ربى؟.. أين أنتم من بناتى وهن فى سن المراهقة لديهن ما يكفيهن ويفيض من المشكلات التافهة والعويصة يخفونها عن أم ذليلة المرض ويتكبدون عناءها وحدهن "ويا صابت يا خابت". هل سننتم القوانين للمريض ألا يبارح سريره حتى الموت؟.. هل تنصبتم حماه للبشرية ووضعتوه فى حجر صحى؟.. هل تكلفتم مراسم الدفنة وأصونه العزاء بمجرد اكتشافكم للمرض وتخشون أن يعيش فتخسرون؟.. هل طمعتم فى مكافأة ما لأكثركم حقدا وأجحظكم عين وأسودكم قلبا؟.. اللهم أغشى أعينكم فضلا عن أن تصابوا بأذى سوادها. لمزيد من مقالات ناهد السيد