أتابع باهتمام شديد الجدال الدائر فى الصحف ووسائل التواصل الاجتماعى حول ثورة 25 يناير، هل هى ثورة ام مؤامرة ورغم أن المتجادلين تناولوا كثيرا من الموضوعات المتعلقة بهذا الجدال، إلا انهم لم يتطرقوا الى جانب مهم من الثورة وهو مشاركة الشباب فى الدعوة للتظاهر يوم 25 يناير وانفرادهم بالدور الرئيسى للأحداث التى دارت من يوم 25 الى يوم 28(جمعة الغضب) حيث تأكد الطابع الثورى للأحداث وتضاعف المشاركون فى الاحتشاد الجماهيرى واسع النطاق فى ميدان التحرير والميادين الرئيسية فى عواصمالمحافظات. وتأكدت عندها مشاركة كل فئات الشعب المصرى فى الثورة سواء من الشباب او العمال او الفلاحين فى تعبير واضح عن رغبة الشعب المصرى فى الخلاص من الأوضاع القادمة وكان شعار الثورة الذى تبلور فى الايام الاولى (عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة انسانية) معبرا بكل صدق عن مشاعر الشعب المصرى ومعاناته فى ظل النظام القائم. وكان الأجدر بالمتجادلين ان يتساءلوا ما الذى دفع هؤلاء الشباب لان يكونوا طليعة الثورة وما هى مشاعرهم الآن بعد إخفاق الثورة. وكما هو معروف فان الأحداث الكبرى فى أى مجتمع تكون نتيجة لأوضاع هذا المجتمع التى تلعب الدور الرئيسى فى خروج الناس للشارع والشعارات التى يرفعونها التى تشكل تصورهم للمستقبل. وللإجابة عن السؤال لماذا كان الشباب فى طليعة المشاركين فى الثورة، أتذكر مشاركتى فى ندوة عقدها مركز الاهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية لعينة من شباب الثورة، وكان السؤال الاساسى المطروح على الحاضرين ما هى اهتماماتهم قبل الثورة التى دفعتهم الى المشاركة فى أحداثها فاكتشفنا من خلال اجاباتهم انهم لم يأتوا الى الثورة من فراغ بل كانت لمعظمهم مشاركاتهم الجماهيرية فى السنوات العشر السابقة على 25 يناير 2011، ورصدنا من خلال المناقشات ان هذه المشاركة بدأت من سنة 2000 باشتراكهم فى فعاليات اللجنة الشعبية لمساندة الانتفاضة الفلسطينية والتى كان لها الفضل الاول فى انهاء القيود المفروضة على الحركة الجماهيرية ويذكر لها انها أول من نجح فى تنظيم اول وقفة جماهيرية منذ نهاية الثمانينيات تكررت بعدها هذه الوقفات الجماهيرية أمام مقر جامعة الدول العربية وأمام مقر الاممالمتحدة، وكانت هذه الوقفات الثلاث فى محيط ميدان التحرير بل انها نظمت وقفة اخرى امام مسجد السيدة زينب لكنس عتباته على أعداء الشعب الفلسطينى والشعب المصرى، وكانت هذه الوقفات أول تجربة لهؤلاء الشباب فى العمل الجماهيرى والنزول الى الشارع. ومن خلال عضويتهم فى هذه اللجنة بدأوا يكتسبون خبرات العمل الجماهيرى المنظم، وكانت التجربة الثانية لمعظم هؤلاء الشباب المشاركة فى المظاهرات الغاضبة ضد الولاياتالمتحدةالامريكية وحلفائها الذين قاموا بغزو العراق سنة 2003 حيث خرجت هذه المظاهرات من الجامع الازهر وشقت طريقها عبر القاهرة إلى ميدان عبد المنعم رياض حيث وصل عددهم الى 30 الف متظاهر تماما، كما بدأت بعد ذلك بسنوات أحداث 25 يناير. وفى 2010 تأسست الجمعية الوطنية للتغيير التى جمعت فى عضويتها الشباب وممثلين للأحزاب والقوى السياسية والمنظمات الجماهيرية وطرحت برنامجا متكاملا للتغيير، وقامت بتنظيم ندوات ووقفات ومظاهرات بلورت الأهداف الرئيسية لبرنامجها. وهكذا كانت الحركة الجماهيرية المصرية تنمو خلال السنوات العشر السابقة على 25 يناير من خلال الاشكال الجماهيرية التى أشرنا اليها والتى اتسع نطاق المشاركين فيها عاما بعد الآخر وتبلورت خبراتهم بالعمل الجماهيرى فى اطار جماعى منظم، وبذلك كانت مشاركتهم فى أحداث ثورة 25 يناير نتيجة منطقية لما وصلوا اليه من خبرات ومشاركات ورؤية عبر السنوات العشر السابقة على الثورة أى انهم لم يأتوا من فراغ، واجتذبوا الى صفوفهم اضعافا مضاعفة من الشباب الذين لم تكن لهم أى خبرة بالعمل الجماهيرى ولكنهم اكتسبوها عبر مشاركتهم فى أحداث الثورة وأحسوا بأهمية دورهم من خلال نجاحهم فى تنحى مبارك عن الحكم. والسؤال الجدير بالاهتمام الآن بعد ان عرفنا من أين أتوا الى الثورة أن نسأل الى أين يذهبون وأهمية اجتذابهم الى أشكال متعددة من العمل الجماهيرى المنظم الذى يسهمون من خلاله فى بناء بلدهم ولا نتركهم للضياع. ان انفتاح هؤلاء الشباب على المشاركة الشعبية امر ضرورى من خلال الاتحادات الطلابية والنقابات العمالية والنقابات المهنية والجمعيات الاهلية والمنظمات الحقوقية والأحزاب السياسية، وأهمية إعادة النظر فى القوانين المنظمة لهذه الهيئات وفتح المجال أمامها لممارسة أدوارها فى خدمة المجتمع للاستفادة من طاقاتهم والخبرات التى حصلوا عليها وبذلك نفتح الباب أمام مرحلة جديدة فى تطور المجتمع المصرى تتحقق فيها أهداف الثورة لينعم الشعب المصرى بالحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية التى تحرك الشعب من أجل تحويلها من مجرد شعارات الى أمر واقع يعيشونه وتتمتع الأجيال القادمة بثماره. لمزيد من مقالات عبدالغفار شكر