تأخذنا الأماني ونحلم.. ويكبر الحلم الصغير ويصبح حقيقة تراها العين، ولكن بشرط أن نلحق أحلامنا ونتبعها ولا نفرط بها أبدا مهما كلفنا الأمر. حلمي اليوم بدأ بسجدة للمولى عز وجل بعد أن تقطع قلبي في يوم شديد البروده تألمت فيه كثيرا من مشاهد متكررة لعجائز يعيشون الأرصفة في هذا البرد القارس، وخاصة عجوز بلا مأوى أجهشت في البكاء من قسوة أيامها وجحود أولادها، ولاسيما ابنها الأكبر الذي يسكن على بعد أمتار منها وهي ملقاه على الرصيف المجاور ويرفض إدخالها بيته لأنها مصابة بمرض جلدى ويخاف على أولاده. وظلت الصورة في مخيلتي طيلة الليل حتى بعد أن غفوت طاردتني في أحلامي، وعندما أفقت في الفجر دعوت المولى عز وجل أن يلهم المسئولين ليبنوا لهؤلاء صرحا كبيرا يكون مقصدا لمن لا مأوى لهم، وكل من تقطعت بهم سبل الحياة بعد أن أدارت لهم الدنيا ظهرها بإيقاعها الإلكتروني الجاحد والمتنكر لسنوات شبابهم التي أفنوها كل في موقع مسئوليته. فبخلاف الآلام النفسية التي يعيشها كبار السن من إهمال بعض الأبناء والوحدة القاسية والحنين إلى الماضي بتفاصيله حلوها ومرها، وافتقادهم كثيرا من أهلهم وأصدقائهم ممن توفاهم الله، تبقى المشكلة الأساسية هي المأوى بمتطلباتها واحتياحاتها. فلابد أن يضم هذا الصرح الكبير دورا عملاقة بأجنحة مجهزة لاستقبال الحالات الحرجة لكبار السن، التي تحتاج إلى رعاية طبية على مدار الساعة، إلى جانب الحالات العادية ومتابعتها الروتينية مع تقديم جميع الخدمات للمسن الذي يعود طفلا من جديد، فلابد من تلبية احتياجاته ومتطلباته على مدار اليوم، إلى جانب توفير الأطعمة المخصصة لهم. ولا ننسي أيضا الجانب الترفيهي والاجتماعي والنفسي، وأضع هنا تحت كلمة النفسي عشرات الخطوط، نظرا لأهمية الحالة النفسية لكبير السن، فإذا تعبت نفسيته يدخل في حالة اكتئاب ويرفض الحياة ويقع فريسة لكل الأمراض. أتمنى من الدولة أن تلتفت لهذه المرحلة العمرية التي نسير إليها جميعا، فليس كل مسن قادر أن يلتحق بدور الرعاية في مصر، ناهيك عن سوء إدارة البعض لها والإهمال والتسيب وابتزاز نزيل الدار أو أهله إن وجدوا. سأظل أحلم بأن من حق هذا المسن أن ترعاه دولته في كبره وتلبي احتياجاته وتقدم له العلاج والدواء، مقابل أنه أفنى عمره وشبابه في وطنه.. فلن يجبى عليه أحد، ففي النهاية هي من أموال الزكاة ودافعي الضرائب وأصحاب الأيادي البيضاء. أقل شيئ يقدمه الوطن لهذا المسن أن يحفظه عند الكبر. لمزيد من مقالات جيلان الجمل