عيد الربيع، الذى يسميه الصينيون «تشون جيه»، يصادف اليوم الأول من العام الجديد وفقا للتقويم القمرى الصينى التقليدي. وهو عيد لالتئام شمل الأسرة، إذ يحرص كل فرد مهما كان بعيدا على أن يعود إلى موطنه. فى الخامس من فبراير 2019، تستقبل الصين عاما قمريا جديدا، يبدأ بعيد الربيع الذى تتجلى فيه متانة الروابط الأسرية، ويعكس المشاعر الروحية الجماعية للأمة الصينية ويعزز الألفة والتماسك للأمة كل عام. الصينيون يعلمون جيدا أن ربيع بلادهم يكمن فى استقرارها ووحدتها وتناغم أهلها، كما يؤمنون بأن الربيع ليس لهم وحدهم وإنما للعالم أجمع. ولعله من حسن الطالع، أنه فى العاشر من فبراير 2019، وبينما الصينيون فى بهجة عيدهم الأكبر، تتولى مصر رئاسة الاتحاد الأفريقي، بعد أن عادت القارة السمراء إلى محور اهتمام السياسة المصرية. ونذكر هنا بأن المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لو كانغ، قال فى الرابع من يناير 2019، إن الصين مستعدة لتعزيز التواصل والتنسيق الثنائى والمتعدد الأطراف مع مصر التى ترأس الاتحاد الأفريقى فى العام الحالي، لدفع قضية السلام والتنمية فى أفريقيا بشكل مشترك. وفى الفترة من الثانى إلى السادس من يناير 2019، قام وزير خارجية الصين وانج يى بزيارة أربع دول أفريقية هى إثيوبيا وبوركينا فاسو وغامبيا والسنغال، إضافة إلى مقر المفوضية الأفريقية فى أديس أبابا. وخلال جولته الأفريقية، بحث السيد وانج مع القادة الأفارقة سبل تعزيز تنفيذ خطة العمل التى تبنّتها قمة منتدى التعاون الصيني- الأفريقى التى عقدت فى بكين فى سبتمبر 2018. لقد قام الرئيس عبد الفتاح السيسى منذ توليه السلطة فى مصر عام 2014 حتى نهاية عام 2018 بإحدى وعشرين زيارة لدول أفريقيا. وفى نفس الفترة، زار الرئيس السيسى الصين خمس مرات، كان آخرها خلال مشاركته فى قمة منتدى التعاون الصيني- الأفريقى فى بكين فى سبتمبر 2018. ولا شك أن مصر تمثل مكونا هاما فى بناء مبادرة «الحزام والطريق» الصينية، كونها تعد نقطة الالتقاء بين طريق الحرير البحرى وطريق الحرير البري. ومن هنا فإن المشروعات التى تم تنفيذها أو يجرى العمل فيها، ومنها قناة السويس الجديدة والمنطقة الاقتصادية لقناة السويس وميناء سوميد ومدينة الجلالة، وغيرها، عناصر مكملة وأساسية للمبادرة الصينية. تؤمن الصين ومصر بضرورة احترام اختيارات الأفارقة لنهج التنمية الملائم لهم، من دون فرض رؤى معينة. وعلى مدار سنوات عديدة أرسلت الصين ومصر فرقا طبية لمساعدة الأفارقة فى مكافحة الأوبئة وخبراء فى الزراعة والري، وقدمتا الدعم المالى والفنى فى تطوير البنى التحتية الأفريقية. لقد تعهدت الصين بتمويلات بلغت قيمتها ستين مليار دولار أمريكى خلال قمة منتدى التعاون الصيني- الأفريقى فى جوهانسبرغ عام 2015، وبالفعل تم الوفاء بها، كما أن برامج التعاون العشرة التى التزمت بها الصين فى نفس القمة تحقق منافع كبيرة لشعوب القارة. ومن خلال مد شبكات الطرق السريعة وخطوط السكك الحديدية وبناء المطارات والموانئ البحرية والمجمّعات الصناعية فى شتى أنحاء أفريقيا خلال السنوات الأخيرة، تم تعزيز الترابط بين الدول داخل القارة وإطلاق العنان لطاقاتها الصناعية. وتعمل الفرق الطبية الصينية والمراكز الثقافية ومعاهد كونفوشيوس كمنصات رئيسية للتواصل من أجل تعزيز التفاهم بين الصين وأفريقيا. على الجانب الآخر، ينهض الصندوق المصرى للتعاون الفنى مع أفريقيا بمهمة مشابهة. هذا الصندوق الذى يعد الأداة الحكومية المصرية لتنسيق المساعدات الحكومية المصرية للتنمية وبرامج التعاون التنموية مع الدول الأفريقية، تأسس فى عام 1980، ويعمل وفق صيغة تعاون الجنوب- الجنوب ويهدف إلى مساعدة الدول الأفريقية على تحقيق التنمية المستدامة عبر برامج التعاون الفنى والبرامج التدريبية لبناء قدرات الكوادر الأفريقية التى يقدمها لدول القارة فى مختلف المجالات، وفى مقدمتها الزراعة والصحة والتعليم والأمن والدبلوماسية والقضاء والإعلام، وكذلك المنح المالية خاصة فى مجالى الصحة والزراعة. منذ نشأته، أوفد الصندوق أكثر من ثمانية آلاف وخمسمائة خبير للدول الأفريقية فى المجالات المختلفة، كما قام بتدريب نحو عشرة آلاف من الكوادر الأفريقية فى مصر، إلى جانب تقديم المنح المالية والمساعدات الإنسانية خاصة فى مواجهة الكوارث الطبيعية، فضلا عن إيفاد العديد من القوافل الطبية للدول الأفريقية. وتأتى رئاسة مصر للاتحاد الأفريقى فى أعقاب قمة بكين لمنتدى التعاون الصيني- الأفريقى 2018، والتى أعلن فيها الرئيس شى جين بينج أن الشعب الصينى فى علاقته مع الدول الأفريقية، يلتزم ب«خمسة لاءات»، وهي: لا يتدخل فى جهود الدول الأفريقية لاستكشاف الطرق التنموية التى تتناسب مع ظروفها الوطنية؛ ولا يتدخل فى الشؤون الداخلية الأفريقية؛ ولا يفرض إرادته على الآخرين؛ ولا يربط المساعدات لأفريقيا بأى شرط سياسي؛ ولا يسعى لكسب مصلحة سياسية لنفسه خلال الاستثمار والتمويل فى أفريقيا. وأكدت الصين على أربعة التزامات فى علاقاتها مع أفريقيا، وهي: الالتزام بالإخلاص والصداقة والتعامل على قدم المساواة؛ الالتزام بمراعاة العدالة والمنفعة فى التعاون، مع إعلاء العدالة. تؤمن الصين بأن الطريق الحتمى للتعاون الصيني- الأفريقى يكمن فى توظيف مزايا كلا الجانبين وربط التنمية فى الصين بشكل وثيق بدعم التنمية فى أفريقيا، وتحقيق التعاون والكسب المشترك والتنمية المشتركة؛ الالتزام بالتعاون العملى والفعال والتنمية من أجل الشعب. حيث تلتزم الصين بوضع مصالح شعوب الجانبين الصينى والأفريقى فى المقام الأول، ودفع التعاون فى سبيل تحقيق رفاهيتها، وجعل نتائج التعاون تفيد مصالحها؛ الالتزام بالانفتاح والشمول فى التعاون. ترى الصين دائما أن تحقيق الأمن والأمان الدائمين والتنمية والنهضة فى أفريقيا لا يمثل تطلعات الشعوب الأفريقية فحسب، وإنما أيضا مسؤولية المجتمع الدولي. إن الجانب الصينى على استعداد للعمل مع شركاء التعاون الدوليين على دعم السلام والتنمية فى أفريقيا. وترحب الصين وتدعم كل ما يخدم مصلحة أفريقيا، كما يجب على العالم كله بذل كل ما فى وسعه من الجهود الجدية لدعم ذلك. فى منتدى «أفريقيا 2018»، الذى عقد فى مدينة شرم الشيخ المصرية، أعلن الرئيس السيسى أن مصر ستنشئ صندوق تأمين ضد المخاطر لتشجيع رجال الأعمال المصريين للاستثمار فى بلدان أفريقية أخرى، وقال: «سيكون تحسين البنية التحتية الأفريقية والتركيز الواضح على التنمية محور جدول أعمالنا خلال رئاستنا للاتحاد الأفريقي.» يقول الرئيس شى جين بينج: «إن الشمس المشرقة تبشر بمستقبل واعد»، ونحن على ثقة بأن التعاون الصيني- المصري- الأفريقى سيثمر خيرا وفيرا للجميع.