فيما يتعدى الألف صفحة، يكشف الكاتب الصحفى مصطفى بكرى، عضو مجلس النواب، الكثير من أسرار واحدة من أخطر الفترات فى تاريخ مصر، وهى فترة ثورة 25 يناير، والسنوات التى تلتها، حتى ثورة 30 يونيو التى أطاحت بحكم الإخوان. وفى كتابه «الدولة والفوضى»، الصادر فى جزءين عن الهيئة العامة لقصور الثقافة، يسرد بكرى تفاصيل دقيقة، وأحداثًا عاشها بنفسه، ولقاءات مع شخصيات قابلها وتحدث معها، ويحلل فى الوقت نفسه الحالة السياسية فى البلاد. المرحلة الانتقالية رغم أنه شدد على أن لا أحد يستطيع أن يجزم بأن خروج الجماهير الحاشدة فى يناير كان مؤامرة على الدولة، وإنما كان ثورة حقيقية، فإن بكرى يؤكد، أن ما شهدته البلاد، بدءًا من 28 يناير، من اعتداءات على الشرطة وإحراق لمنشآت الدولة والاعتداء عليها ومحاولة الاصطدام بالجيش، لم يكن سوى مؤامرة استهدفت إسقاط الدولة. ويقول إن مصر عاشت، بعد رحيل الرئيس الأسبق حسنى مبارك عن الحكم، حربًا ناعمة «الجيل الرابع من الحروب»، استهدفت تغيير القناعات وضرب الهوية الوطنية، ودفع الأوضاع نحو التوتر، وسيادة الفوضى فى البلاد، ونجحت هذه الحرب فى قلب الحقائق وتبديل المفاهيم واستدراج الغرائز الدينية والمذهبية والعرقية والسياسية والاجتماعية، فخلقت نوعًا من المتاهات التى انخرط تحت رايتها مجموعات مُغَيَّبة من الشباب المهزوم، الذى كاد ينجح فى دفع البلاد إلى حافة الانهيار، لولا أصالة الشعب، وحكمة المشير حسين طنطاوى وقادة الجيش والشرطة فى هذا الوقت. ويؤكد أن ما حدث فى 25 يناير كان نتيجة تخطيط منظم استمر لعدة سنوات، ويفرد الكتاب مساحة كبيرة لتأكيد ذلك، ويرصد ردود فعل قيادات الدولة على أحداث يناير، والجهود التى بُذلت لإنقاذ البلاد من خطر الفوضى، ومظاهر انحياز الجيش للمطالب الشعبية، فى مقابل دور جماعة الإخوان، وبعض العناصر الخارجية، فى إثارة الأوضاع ودفع البلاد نحو الفوضى. ويصل الكتاب إلى يومى 11 و 12 فبراير 2011، ليسرد كواليس تنحى مبارك، ودور المشير طنطاوى والمجلس الأعلى للقوات المسلحة فى الحفاظ على استقرارالبلاد. وينتقل إلى مرحلة الفوضى، ودور جماعة الإخوان والعناصر المرتبطة بها فى تهييج الشارع، للضغط على المجلس الأعلى للقوات المسلحة لتسليم السلطة، والانفراد بإدارة البلاد، ودور المشير طنطاوى فى الحفاظ على مصر فى تلك الفترة العصيبة، وتحمله الصعاب من أجل استمرار تماسك الدولة. عندما يصل الكتاب لأحداث شارع محمد محمود، يشير إلى الكشف عن دخول عشرات الملايين من الدولارات إلى عدد من النشطاء ومنظمات المجتمع المدنى التى تَبَنَّت مخطط نشر الفوضى، ويلفت إلى دور جهات وأشخاص معينة فى إثارة الأحداث فى تلك الفترة، على رأسها قناة الجزيرة القطرية وجماعات الألتراس، وحازم صلاح أبو إسماعيل، وأسباب استقالة د. عصام شرف، والرفض التام لتولى محمد البرادعى رئاسة الوزراء، وتطور الأحداث حتى تولى د. كمال الجنزورى رئاسة الوزراء. زمن الإخوان لم تكن فترة حكم الإخوان أقل ضراوة من الفترة السابقة، فقد حلت الجماعة محل الدولة، ولم يكن الرئيس فيها إلا مندوبا لمكتب الإرشاد، ينفذ ما يُملى عليه من تعليمات، وكانت البداية بعد ثلاثة أسابيع من توليهم الحكم، إذ خرجت أول مظاهرة تهتف «يسقط حكم المرشد». وتوالت الاحتجاجات الشعبية ضد حكم الجماعة، وتصاعد الخلاف بين مؤسسة الرئاسة والمجلس الأعلى للقوات المسلحة، بعد حل مجلس الشعب، لمحاولة الجماعة الاستئثار بالسلطة التشريعية مع السلطة التنفيذية، وهو ما زاد من الغضب الشعبى ضدهم. وظلت القوات المسلحة محافظة على تماسكها وانحيازها للشعب، وفى خضم هذه الأحداث يقع الاعتداء الغاشم على جنودنا البواسل فى رفح وهم يتناولون إفطارهم فى رمضان، وذلك مع رصد 35 تكفيريا مصريا وفلسطينيا تحركوا لتنفيذ مخطط ضد الجيش المصرى، ويرصد الكتاب كواليس هذا الحادث بدقة، واستغلال مرسى لها فى إجراء تعديلات «مفاجئة» فى صفوف القوات المسلحة. ويلفت بكرى للعديد من الأحداث التى جرت بين المشير طنطاوى ومرسى، وتوتر الأوضاع بينهما، حتى قرر مرسى إقالته وتعيين الفريق أول عبدالفتاح السيسى وزيرا للدفاع، وهو الحدث الذى يقف الكتاب عنده طويلًا، ليرصد كواليسه وكيفية تقبل الجيش له، لما يتمتع به الفريق أول السيسى والفريق صدقى صبحى «الذى أصبح رئيسًا للأركان» من شعبية وقبول داخل مختلف أوساط القوات المسلحة. وفى المقابل كان الإخوان يشنون حرب تصفية ضد الرموز التى كانت تعارضهم، ويحاولون السيطرة على مؤسسات الدولة، وزاد الأمر سوءًا بالمواجهات التى وقعت بين الإخوان ورافضى الإعلان الدستورى أمام قصر الاتحادية، وأوامر الرئيس المباشرة بضربهم. ومع اقتراب 30 يونيو، ظهرت تفاصيل لخطط إخوانية لوأد الثورة، لكن إعلانها عن طريق بعض وسائل الإعلام جعل الإخوان يتراجعون عن تنفيذها، وجاء يوم 30 يونيو ليشهد غضبة الشعب. ويبدى بكرى اهتماما كبيرا بسرد تفاصيل عزل مرسى، وتأكيد الفريق أول السيسى أن الأوضاع تزداد سوءًا، وأنه لا حل إلا بالاستفتاء على الانتخابات الرئاسية المبكرة، لكن مرسى بدا غائبا تماما عن الواقع بتأكيده أن الوضع مستقر، وأن الناس متفهمة، رافضًا تماما أى حل للأزمة، فطالبه السيسى بالاستجابة لمطالب الشعب، وهدد بأن الجيش سيسحق أى محاولة للمساس بالمتظاهرين، وسيحاسب المتسبب فيها أيًا كان منصبه. ورغم ذلك، فقد حرص السيسى على منح الرئيس المزيد من الوقت، فى محاولة لتفادى أى صدام قد يحدث، واستمرت جهوده لاحتواء الأمر، لكن مرسى استمر على عناده وهدد بتحريك شباب الإخوان للدفاع عنه، كما تم رصد مكالمات أفادت بوجود مخطط إخوانى لاغتيال واعتقال الكثير من الشخصيات مساء 3 يوليو وصباح 4 يوليو. وبعد اجتماعات مكثفة، شاركت فيها شخصيات كبرى بالدولة، تم إعلان البيان التاريخى بإقصاء الإخوان من الحكم.