(جُنْد الفَزَعْ) عنوانٌ لسلسلة مقالات إن أذنَ الله للمِدادِ امتدادًا، وعلى ما فى العنوان من صدمة إلا أن صدمةَ الوعيِ بالخطر استشرافًا تتجاوز ربكةَ الصدمة إلى امتلاك أدوات التَنَبُه لاتخاذ تدابير تجفف منابع الخطر قبل أن يستحيل تهديدًا حقيقيًا، وبحسب تقدير قياس الكاتب فإن كلَ متلقٍ للرسالة مقصودٌ بالتنبُه ومعنيٌ بالجهوزية فى أطر مسئوليته التى يستوى فيها خصوص المكلفين بالإدارة مع عموم أصحاب السيادة الشعبية فى أوطانهم، مع مراعاة أن الخطاب لا يستهدف المصريَ إدارة وأمة وفقط وإنما يتعداه إلى الإنسان أيًا ما كان جنسه أو جنسيتهُ أو دينهُ أو ثقافته، فالواقع المُوَثق فى إحصائياتٍ نهائية يؤكد أن إجمالى عدد المُقاتلين الأجانب الفاعلين على أرض العراقوسوريا نهاية عام 2018 بلغ ثلاثين ألف شخص اجتمعوا من شتات الأرض واتخذوا من أرض القُطريين العربيين ساحة جهادٍ مفتوحة، والكثير منهم خلال السنوات الماضية كَوَّنَ أسرًا وأنجب أطفالاً وبات لدولة المجاهدين مجتمع فيه الأسر المجاهدة بتنوع أعمارها وأجناسها. وعبر متابعة ورصدٍ لتجلياتِ مشروع (الفوضى الخلاقة) وتطورِه إلى مشروع (العالم الجديد)، الذى بشرتَ بقرب ميلاده الإدارة الأمريكية فى أكثر من مناسبةٍ رسمية، صار محتومًا تسوية الملفين العراقى والسورى عبر مواصفات العالم الجديد الذى دنت لحظة ميلاده، وبالتالى يُصبِح من غير المُجدى استمرار (جُنْدِ الفَزع) على أرض الدولتين، وعلى داعى الهجرة أن يُؤَذِّنَ فيهم أيًا ما كان اسمه أو توصيفهُ أو بَيْعَتُه، يستوى فى الأذان بالهجرة المسئول الإخوانى مع الأمير القاعدى أو الداعشى أو النُصْرَوى أو غيره من قادة ألوية القتال، ويَسْتَوى فى الطاعة كل عضْوٍ بايعَ على الجهاد مؤِمنَا بالتنظيم الإخوانى جماعة تمكين، أو بالقاعدة مُنطَلَقًا نحوه، أو بداعش سبيلًا لِبلوغِه بالرعب. غير أن أكثر ما يستدعى الحذَرَ فى مشهد هِجرة المقاتلين من دور جهادهم فى العراقوسوريا، يتمثلُ فى الموقف الأمريكى والتركي، إذ إن كلتا الدولتين رغم تماسهما التام مع واقع الأرض العراقية والسورية، وضلوع أجهزتهما فى التواصل مع تنظيمات المقاتلين فى كلتيهما، فإنهما تسوقِان عبر الإعلام لإحصائياتٍ تُهَوِن من حجم الخطر بتقليص عناصره، ففى أغسطس 2018 نُشرتْ فى الإندبندنت إحصائية منسوبة لأجهزة المخابرات الأمريكية لم يتجاوز فيها عدد المقاتلين الأجانب ستة آلاف فى العراقوسوريا ومعهم (53781) فردا من (146) دولة سجلت السلطات التركية أسماءهم كمشتبه بهم فى محاولة الانضمام إلى المقاتلين فى القُطرين، وحتى تكتمل الدهشة يجب أن نتساءل (6 آلاف) مقاتل مثَلوا خطرًا عالميًا استدعى أن تواجهه أمريكا عبر تحالف عالمي؟!، وقرابة (54 ألفاً) حاولوا الانضمام للمقاتلين فى سورياوالعراق واكتفى النظام التركى فى تجفيفه لمنابع الإرهاب بدور العداد! إن هكذا حصر عَدَدى يهَوِنْ من حجم الخطر الذى تُمَثله الهجرة من ساحات الجهاد إلى كل أقطار العالم، ويُمكِنْ تَفَهُم هذا التهوين الأمريكى والتركى من حجم الخطر القادم إذا ما حسمنا قضية تبعية هذه التنظيمات للنظام العالمى الذى بدأ خلال العقود الأربعة الماضية حصد ثمار رعايته لهذه التنظيمات منذ أقدمها الإخوان فى عشرينيات القرن الماضى حتى داعش فى القرن الحالي. النظام العالمى بقيادة أمريكا رعى ساحات الجهاد الأولى فى أفغانستان عام 1979، ومنها تطورت النماذج فى البوسنة والهرسك 1992 ثم الشيشان 1994 وصولًا إلى العراق بعد صدام وسوريا وليبيا 2011، ولكن الأدوار فى الساحات الجهادية الحالية انتهت وصار على كل مقاتل أن يبدأ فى التجهيز إلى الهجرة، إما هجرة إلى ساحة جهاد تتأهب للفتح، أو إلى حاضنة كمونٍ حتى حين، أو إلى عودة لوطنٍ أصليٍ مادام قد أمِنَ المقاتل أنه خارج أطر الرصد، لكن هجرة المقاتلين تشمل صنفين غير تقليديين أولهما المقاتلات المُدربات على القتال والتجنيد وتنفيذ العمليات الانتحارية وعمليات القتل بالأسلحة البيضاء ويبلغ عددهن (1680)، وثانيهما (أشبال الخلافة) وهم الأطفال بين سن 9 و 15 سنة، ومعظمهم قُتِلَ قادتهم خلال الربع الأخير من 2018، وتشير الإحصائيات إلى أن منهم 900 طفل من جنسيات عربية (مصر الإماراتالكويتالأردنتونس). وبحسب المناهج التى خضع لها المقاتلون على اختلاف تصنيفاتهم، فإن أسس بناء شخصياتهم تطورت أخيرا لتتجاوز حدود المنطلقات العقدية إلى الأفكار الكلية بحيث يتشارك فى حمل السلاح أصحاب العقائد مع أصحاب الأيديولوجيات أيًا ما كان باعثها، ولذا يَتَحول المقاتل إلى آلة فزغ روت تشوهات وعيها مناهج أعدت خصيصًا لتوجهها حيث شاءت. إن الخطر القادم من ساحات الجهاد عبر مقاتليها فى تقديرى يتأهب لخوض جولات جديدة أكثر تطورًا فى حركته وكذا أكثر انفصالًا فى وحداته التى يمكن أن يُختصر عددها فى مقاتل (رجل أو امرأة أو طفل)، وغير مُقَيَّدٍ بساحة جهاد مفتوح فخريطة العالم الجديد هى مقصد هجرة المقاتلين. لمزيد من مقالات عبد الجليل الشرنوبى