وتجددت ذكرى ثورة 25 يناير ويتجدد معها تأكيد أن المصريين شعب يكمن ويحتمل ويصبر ولكن لا يتحول إلى جثة هامدة أبدا.. ومن ينكر على 25 يناير أنها ثورة وغضبة شعب تعرض لأسوأ وأقسى أشكال فساد السلطة وتوحش واحتكار الثروة عليه أن يثبت العدالة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية واحترام قيمة الإنسان التى تمتع بها المصريون قبل نفاد أرصدة صبرهم وانفجار غضبهم وثورتهم.. نعم وافق 25 يناير يوم بطولة تجلى فيها مشهد وطنى للشرطة فى مقاومة قوات المحتل البريطانى بالإسماعيلية 1952 وكان من محركات الغضب الشعبى العظيم بطش النظام بالمواطن الذى قد يدفع حياته ثمنا لما يعتبره النظام مساسا به انضم إليه كل مانحن لانزال ندفع أثمانه وتوابعه من فساد مالى وإدارى وأخلاقى وإنسانى وخصخصة وبيع أكبر المشروعات القومية التى كانت ملكا للشعب ومن أبرزها المراجل البخارية وسائر القلاع الصناعية وتدمير الزراعة ووصولنا إلى استيراد 80 أو 90% من غذائنا.. هذا قليل جدا من كثير لا يعد ولا يحصى من جرائم إهدار تدمير ثروات المصريين التى كان يجب أن تكون محور محاسبة رءوس النظام الأسبق وما نهب من ثروات ومليارات هربت للخارج ومازالت دول أوروبية ورغم مضى ثمانى سنوات على الثورة تطالب بصدور أحكام قضائية للافراج عنها ورغم محاولات نفى وإنكار وجود أموال مهربة لم تتوقف تصريحات مسئولين تؤكد وجودها وأحدث هذه التصريحات ما أعلنة وزير العدل الأسبق المستشار عبدالعزيز الجندى فى الأخبار 18/1/2019 أن أموال الرئيس الأسبق وراء البحر وتأكدنا من تهريبها عبر شركات دولية..وأثناء محاكمة أبناء الرئيس فيما أطلق عليه قضية التلاعب بالبورصة وبيع البنك الوطنى لتحقيق مكاسب مالية طالبت النيابة وفق المنشور 19/1/2019 بمصادرة الأموال المتحفظ عليها فى قبرص!! من ينسى ما تكشف بعد الثورة من تنظيمات وحشود لجماعات إرهابية متطرفة تضع من الدين الحنيف ستارا وتتخفى وراء ما أتاحه النظام الأسبق لها لجمع وتعظيم قواها وبمعاونة أقطاب المؤامرة الخارجية الكبرى على المنطقة كلها الذين حاولوا اختطاف الثورة والحكم ويعدون لتفكيك وإسقاط مؤسساته التى تمثل العمود الفقرى لقوتها وصلابتها لولا تجدد دماء الغضب والثورة فى عروق شعب يصبر ويحتمل ولا يموت أبدا بعد أن أدرك بحسه التاريخى والوطنى والحضارى والإيمانى أن هويته الوطنية والحضارية والثقافية وأرضه على وشك أن تكمل جماعة الإخوان اختطافها فكان المد العظيم الثانى فى 30/6 و3/7 وأعظم صور الالتحام والانصهار الوطنى بين المصريين وجيشهم وشرطتهم فى أيام وساعات حاسمة ومصيرية فى حياة مصر دق فيها الخطر، تعاظمت وتحالفت فيها المخططات والمؤامرات الداخلية والخارجية وتحداها المصريون بعشرات الملايين التى تدفقت فى شوارع وميادين أغلب المدن فى مشهد وصفته وكالات أبناء عالمية بأنها أرقام غير مسبوقة فى تاريخ ثورات الشعوب. وقائع هذه الأيام التى لا تنسى وما فعله المصريون تؤكد أن إرادة الشعب صانع الثورة يجب أن تظل قوام قوة وصلابة وأمان واستقرار الدولة وأن تحقيق الأهداف والمطالب التى حرم منها سنوات طويلة وخرج من أجل إثبات حقوقه الأصيلة والمبدئية فيها وفى مقدمتها العدالة الاجتماعية والعيش الآمن الذى يحترم فروض وحقوق المواطنة والكرامة الإنسانية واحترام الحريات كأسس لكل سعى جاد لبناء الدولة الديمقراطية الحديثة التى نص عليها الدستور. أعتز بأننى عشت اللحظات الأولى لميلاد الثورة فى 25 يناير من فوق درجات السلم الخلفى لدار القضاء العالى والحشود والجموع تتدفق وتتدافع من جميع الاتجاهات تهدر بالنداءات كأنها أمواج من البشر لم تحل بينى وبين المشاركة آلام فقرات العنق التى أهداها لى عشق الكتابة واستعنت يومها كما أستعين دائما بالرقبة الطبية.. ما أعرفه وأثق فيه أن الحشود والجموع التى خرجت فى 25 يناير لم تكن تدرى بوجود مؤامرة ومخططات لاختطاف الثورة وأن غضبها الوطنى والمشروع ممكن أن يستغل فى تحقيق أهداف آثمة وشيطانية لإلحاق مصر بما حدث لدول شقيقة.. والسؤال المهم: هذا النظام الذى توحش واستقوى على الشعب كيف تهاوى كصرح من الرمال اجتاحتها أمواج عاتية؟! فى رأيى المتواضع، أنها بعد حماية المشيئة الإلهية كانت قوة واصرار المصريين وحجم وجبروت الظلم الذى تعرضوا له وعظيم غضبهم ومصداقية وعدالة مطالبهم هى التى فرضت وانتصرت لإرادتهم ورغم الانكسارات والكبوات التى حدثت فيما بعد، عادو وعادت معجزة الإرادة الإلهية والشعبية ومخزون التاريخ والحضارة والوطنية وعشق أرضهم وترابها واستطاعوا أن ينتصروا ويعبروا أقسى وأعتى التحديات التى واجهت بلدهم عبر تاريخه الطويل والعميق والذين بثورتهم وبكل ما ضحوا وقدموا لاسترداد وطنهم وحقوقهم الأصيلة فيه والتى مازال الكثير منها ومما طالبوا به فى جميع ميادين ومدن مصر من عيش آمن وحرية وعدالة اجتماعية وكرامة إنسانية ينتظر أن يتحقق فى أفضل وأكمل صورة. من أروع مشاهد الميدان باعة وبائعات أطعمة شعبية جاءوا يطعمون الثوار الذين سكنوا ميدان التحرير طوال أيام الثورة ورفضوا أن يتقاضوا مقابلا لها جزء من فيض مشاعر أروع أبناء مصر من الأكثر معاناة واحتياجا وكفاحا ومن العمال والفلاحين.. كان مدهشا إحساسهم بقيمة وضرورة الثورة وكان وعيهم الوطنى لا يقل عمن امتلأ بهم الميدان من كتاب ومفكرين ومبدعين ومما جعل الثورة تمثل جميع أطياف ومكونات النسيج الوطنى الأصيل. لمزيد من مقالات سكينة فؤاد