ربما لم يكن الفنان التشكيلى والمخرج الأمريكى آندى وارول يتخيل أن نبوءته بأنه فى المستقبل سيحظى كل شخص بشهرة عالمية لمدة 15 دقيقة، والتى أطلقها فى الستينيات من القرن الماضى، ستتحقق ليس فقط بالنسبة للبشر ولكن للأشياء أيضا وأن الشهرة قد تمتد لأكثر من ربع الساعة.فعلى مدى الأسابيع الماضية اكتسبت بيضة بنية عادية للغاية شهرة كبيرة حول العالم وحصلت على أكثر من 40 مليون إعجاب لايك. الشخص أو الجهة التى نشرت صورة البيضة على خدمة الانستجرام فى أوائل الشهر الحالى مازال مجهولا فقد اكتفى فقط بالدعوة لأن تحطم البيضة الرقم القياسى لعدد اللايكات التى حصلت عليه العارضة كيلى جنر (18 مليون لايك) بعد نشر صورة لمولودتها ويدها الصغيرة تمسك بإبهامها. وقد كان له ما أراد وأكثر خلال أيام قليلة،وكثيرون لم يكتفوا بالضغط على زر الإعجاب بل تفننوا فى كتابة تعليقات طريفة وعقد مقارنات بين جمال وانثناءات ونمش البيضة وبعض الفنانات والعارضات! وفى حين يرى بعض الأشخاص أن نشر صورة البيضة وما أثاره من تفاعل ما هو إلا حلقة جديدة فى سلسلة الشطط والفراغ والسعى لتحقيق الشهرة من لا شىء التى صنعتها مواقع التواصل الاجتماعى، يرى آخرون أنه ربما كان الغرض الحقيقى من نشر الصورة أعمق من ذلك وهو تسديد لطمة إفاقة لكثير من مشاهير ومؤثرى (اينفلونسيرز) مواقع التواصل ممن قد يلعب عدد المعجبين واللايكات برءوسهم فيعتقدون خطأ أنهم متميزون ومتفوقون.فها هى بيضة لا يميزها شكل مختلف أو طريقة طهى أو تزيين مبهرة تشتهر بين ليلة وضحاها، تلقى الضوء على كم تغيرت حسابات الشهرة خلال السنوات الماضية. فى الماضى كانت الشهرة تعتمد فى معظم الأحيان على ما يتفوق المرء فى أدائه والمواهب التى يمتلكها.وكان المشهور يحاط بهالة من البريق والكمال تفصله عن الآخرين وتجعلهم دائمى التطلع إليه.ثم جاءت برامج تليفزيون الواقع فى التسعينيات من القرن الماضى لتغير بعض معادلات الشهرة.وأصبح من الممكن أن يتحول شخص عادى إلى نجم تليفزيونى يتابع الناس يومياته بشغف.مما حفز بعض مشاهير عالم الفن والأعمال إلى انتهاج نفس النهج وتقديم برامج واقع خاصة بهم مثل باريس هيلتون ودونالد ترامب.وهكذا ألغت مثل هذه البرامج الخطوط الفاصلة بين الرجل العادى والمشاهير وأصبحت الطبيعية والسلوك الإنسانى المعتاد العنصرين الأقوى لكسب إعجاب الناس وتعاطفهم، وبالتالى ضمان أعلى نسب مشاهدة. ثم جاء زمن الفيسبوك وتويتر ويوتيوب وانستجرام ليقلب موازين الشهرة إلى الأبد ولتصبح مسألة أن تكون معروفا أبسط وأهون كثيرا. كل ما يتطلبه الأمر شاشة إلكترونية ثم تحّمل صورة أو مقطع فيديو أو تعليقا لتثير التفاعلات وتضع قدمك على مسرح الشهرة الافتراضى. ومرة أخرى وجد الفنانون والمشاهير أنفسهم مجبرين على تتبع خطوات المواطن العادى بمعنى أنهم أيضا كان عليهم اقتحام مجال التواصل الاجتماعى ومحاولة عرض الجانب الإنسانى من شخصياتهم بنشر صور وتعليقات عن أفراحهم وأتراحهم.وبدلا من مراقبة نسب المشاهدة لأعمالهم أو متابعة ما يقال ويكتب عنهم فى وسائل الإعلام،أصبحوا منشغلين أكثر بمتابعة عدد المتابعين واللايكات. تغيرت إذن قواعد الشهرة بدرجة،أو بأخرى،ولكن يبقى التوتر والشكوك والضغوط التى تفرضها والخوف من المستقبل كما هى وتبقى معها لهفة كثيرين على الحصول على نصيبهم منها حتى ولو لربع الساعة! لمزيد من مقالات هناء دكرورى