«ما تحقق فى عام واحد كثير جدا، ولكنه فى الوقت نفسه خطوة ضئيلة جدا فى طريق الوصول إلى هدف إخلاء شبه الجزيرة الكورية بالكامل من الأسلحة النووية، ما زال أمامنا الكثير، فقط نحتاج إلى الصبر». بهذه الكلمات، تحدث البروفيسور مون تشانج ين مستشار رئيس كوريا الجنوبية للأمن القومى والشئون الخارجية والوحدة الكورية عن فرص إحلال السلام الكامل والشامل بين الكوريتين وصولا إلى هدف تحقيق الوحدة. جاء ذلك خلال الندوة التى ألقاها مون فى الجامعة الأمريكيةبالقاهرة، بحضور وزير الخارجية السابق نبيل فهمي، ويون يو تشول سفير كوريا الجنوبيةبالقاهرة، وعدد من سفراء دول العالم بالقاهرة من بينهم سفير اليابان، أحد الأطراف الرئيسية فى الأزمة الكورية، وسفير سنغافورة الذى استضافت بلاده القمة الأمريكية الكورية الشمالية التاريخية العام الماضي. وأكد مستشار الرئيس الكورى أن القدرات العسكرية لا يمكن أن تحمى دولة على الإطلاق، وإن اعترف بأن الكوريين الشماليين لم يتأثروا بالعقوبات المفروضة على بلادهم، بل قال إنه من الواضح أنهم «تأقلموا عليها»، أو «امتصوها» بمرور الوقت، حسب تعبيره. وعلى الرغم من ذلك، أكد مون فإنه لا يجب التقليل أبدا من قدرات كوريا الشمالية السريعة والفائقة فى تطوير التكنولوجيا النووية والقنابل الهيدروجينية، ودعا المجتمع الدولى إلى الانتباه جيدا لهذه القدرات. واعترف مون بأن الحديث عن إغلاق القواعد العسكرية الأمريكية فى منطقة شبه الجزيرة الكورية قضية حساسة، ولكنه أكد أن الوجود العسكرى الأمريكى فى كوريا الجنوبية لا علاقة له بتحقيق السلام، بل أشار إلى أن الزعيم الكورى الشمالى كيم جونج أون لم يطلب خلال القمم الثلاث التى عقدها مع الرئيس الكورى الجنوبى مون جاى ين إغلاق أو إزالة هذه القواعد الأمريكية، أو حتى وقف المناورات العسكرية المشتركة بين الشطر الجنوبى والولاياتالمتحدة. وأوضح أيضا أن موقف حكومة سول والرئيس مون واضح جدا فى هذا الأمر، وهو أن سول لا يمكنها التخلى عن التحالف العسكرى مع الولاياتالمتحدة. وقال مون أيضا إن الرئيس مون جاى ين يسير على خطى الرئيس الراحل أنور السادات فى السعى إلى السلام، وقال إنه تحمل أيضا الكثير من الاستفزازات من بيونج يانج من أجل الوصول إلى ما وصلنا إليه الآن. وفى لقاء خاص مع «الأهرام» عقب الندوة، أعرب البروفيسور مون الذى يلقب ب«مهندس سياسة الشمس المشرقة» مع بيونج يانج، و« سلاح كوريا السري» فى المفاوضات معها، عن سعادته بزيارة مصر مجددا، خاصة أنه يحتفظ فيها بأصدقاء كثيرين. وكشف مون عن أنه التقى خلال الزيارة الدكتورة فايزة أبو النجا مستشارة الرئيس عبد الفتاح السيسى لشئون الأمن القومي، قائلا : «لقد أجرينا محادثات إيجابية جدا، وقدمت لى الدكتورة فايزة رؤية جيدة عن سياسات الأمن القومى المصرية، كما ناقشنا أيضا الكثير من الموضوعات المتعلقة بالعلاقات الثنائية بين القاهرة وسول، وأوجه التعاون بين البلدين». وردا على سؤال حول هذا التعاون، قال مون : «حكومتنا تعتبر أن مصر هى جوهر سياساتنا فى الشرق الأوسط وإفريقيا، وأكبر شريك استراتيجى لنا فى المنطقة، ولهذا، يدعونا سفيرنا دائما لكى نكون هنا باستمرار، ونأمل بالفعل فى مزيد من التعاون مع مصر فى كثير من المجالات، وأيضا فيما يتعلق بعلاقاتنا مع الدول العربية». وعن رؤيته لدور مصر فى عملية إحلال السلام فى شبه الجزيرة الكورية الآن، ومدى اختلافه عن الحالة فى الماضى قبل بدء الحوار بين سول وبيونج يانج، أوضح مون قائلا : «كانت هناك مشكلة فى السابق تخص العلاقات بين الكوريتين، ولكن الآن، تغيرت سياسة حكومتنا تجاه كوريا الشمالية، وبدأت عملية السلام معها، ونأمل فى أن تلعب مصر دورا أكثر نشاطا فى التقارب بين الكوريتين فى الفترة المقبلة، وعندما تحدثت فى هذا الأمر مع الدكتورة فايزة أبو النجا، قالت لى إن مصر سعيدة للغاية بالتقارب الجارى بين الكوريتين منذ وصول الرئيس مون جاى ين إلى السلطة فى سول، لأن مصر بذلك لن تبقى واقفة فى منتصف الطريق بين الجارتين، ولذلك سيكون دورها فى التقارب بين الكوريتين أسهل». وردا على سؤال : «هل كان الرئيس مون هو العنصر الأساسى المحرك لمفاوضات السلام مع كوريا الشمالية، ولماذا تغير موقف بيونج يانج»؟ فأجاب : «الرئيس مون ظل يدعو منذ وصوله إلى السلطة للحوار مع بيونج يانج، وكانت بيونج يانج لا تجيب بشيء، وكانت ترفض الحوار من الأساس، ولكن ابتداء من يناير 2018، غيرت كوريا الشمالية موقفها، واغتنم الرئيس مون وقتها الفرصة، وفتح حوارا بالفعل، وانتقل إلى مرحلة الاندماج الكامل مع كيم جونج أون، بل إنه هو الذى توسط بين كيم جونج أون والرئيس الأمريكى دونالد ترامب فى توقيت صعب، ولو كان ترامب قد رفض هذه الوساطة أو هذا العرض، لما كان شيئا قد حدث، ولكن القادة الثلاثة عملوا سويا، واختاروا الحوار، ربما لدوافع مختلفة، ولكن الهدف الأسمى كان إخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية، وإحلال السلام فيها». وردا على سؤال «هل كان من الممكن توصل الكوريتين للسلام دون تدخل أمريكا»؟ أجاب قائلا : «الرئيس مون قال إننا نريد السلام، وإخلاء شبه الجزيرة الكورية من الأسلحة النووية، وبالفعل كانت مهمة جذب الولاياتالمتحدة إلى مسار التفاوض مع كوريا الشمالية صعبة، ولكنه حدث بالفعل، لأن الأهداف تستحق». وحول إمكانية تحقق الوحدة بين الكوريتين، والخلافات بين الجانبين فى هذا الصدد، قال البروفيسور مون «كل طرف يريد تفسير الوحدة وفقا لمفهوم خاص، فكوريا الجنوبية تريد الوحدة بين الكوريتين وفقا لنموذج أشبه بالاتحاد الأوروبي، فهى تريد أمة واحدة ودولتين ونظامين وحكومتين، بعكس كوريا الشمالية التى تريد وحدة من شكل آخر».