مكتبة لا تحتضن مؤلفات يحيى حقي؛ مكتبة ناقصة..فقد جمع بين النقاء وتفرد الإبداع ولغته الخاصة، وعاش حياته ب«ببراءة» طفل وحكمة من عاش حياة حقيقية «ونبل» فارس احتفظ بأحلامه ورفض التخلى عنها، وأحب دوما مساعدة الآخرين. ولد يحيى فى 17يناير 1905 وغادرجسده الحياة 9ديسمبر 1992.. وظلت إبداعاته تنشر عطورها وكيف لا؟ وقد امتزجت بروحه ورواها بصدقه وهو القائل: من حسن الحظ ألا ينقطع عن ذكرك أناس، وأن ينساك أناس ثم يذكرونك. لا تجد ليحيى حقى صورة إلا والابتسامة «الطيبة» تنير وجهه وترسل رسالة لطيفة لمن يراها، وكأنه يحارب ألم الحياة وأوجاعها بابتسامته ووعيه وحكمته التى أعلنت عن نفسها فى كل مؤلفاته، وهو الذى عاش حياته فارسا نبيلا يجسد فلسفته الخاصة التى عبر عنها بقوله: هذه هى الحياة، خذها كما تأتي، إياك أن تظلم أو تؤذى أحدا وإياك أن يرهقك الجود، وإن اتهمك الناس بالسفه أو الغفلة أو الضعف. تأثر يحيى حقى بوالده الذى كان محبًا للشعر وللقراءة وكان يتلو ما يقرؤه على يحيى منذ صغره، وجمع بين جذور الأسرة التركية والنشأة بحى السيدة زينب. يقول يحيي: الكتابة الأدبية ناجمة عن شعور داخلى ولا نستطيع أن ننسى الطلاء الخارجى المتمثل فى الاطلاع والثقافة. كانت حياته ثرية حيث تنقل بين بعض محافظات مصر كالإسكندرية والصعيد وعاش ببعض بلدان العالم، فقدعمل بالمحاماة وبالنيابة وبالسلك الدبلوماسى وتنقل بين جدة واسطنبول وروما، ورئيسًا لتحرير مجلة «المجلة» وكان كريمًا مع شباب المبدعين فاحترمهم ومنحهم الفرص للنشر وأصبح بعضهم نجومًا فى الأدب والنقد. كان أسلوبه اللغوى بسيطًا يبتعد عن التقعر ويخاصم الابتذال، وكان عدوا لكل ألوان الزيف وأشكاله وهو القائل: فالمهارة أن ترفع السلاسة عن الابتذال وأن يكون هناك فارق واضح بين البساطة والكلام الركيك. عمل مديرًا لمصلحة الفنون وعمل بدار الكتب وجمع خبرات حياتية متنوعة أفادته فى قصصه وفى مقالاته الكاشفة لعيوب المجتمع وتراجعاته المختلفة التى رصدها ورفض قبولها وحرص على «تعريتها» بجدية ومثابرة وببعض من الحدة التى تؤكد «رفضه» الانحناء للقبح وكراهيته لتفشيه. تنوعت مؤلفاته بين المجموعات القصصية والكتابات النقدية والمقالات، وكان ناقدًا موسيقيًا بارعًا وأجاد الكتابة عن الفنون التشكيلية فجمع مهارات ندر أن يفوز بها كاتب. واجه موت الزوجة بعد إنجابها ابنته الوحيدة بشهر واختار الوفاء لها عشر سنوات، ثم تزوج بفنانة تشكيلية فرنسية وضحى بعمله الدبلوماسى من أجلها ونبه لحماية أعمارنا من الضياع، فقال: فى بعض الأحيان ننهب أعمارنا نهبا ونلهب ظهرها بالسوط حتى تجرى مسرعة، لا لشيء إلا رغبة منا فى نسيان جرح، فتكون خسارتنا للعمر أشد مصيبة من الجرح ذاته. يظلم البعض يحيى حقى باختزال إبداعاته فى «قنديل أم هاشم» و«البوسطجى» . ومن مؤلفاته فكرة فابتسامة، دماء وطين، تعال معى إلى الكونسير، ناس وظل، أم العواجز، حقيبة فى يد مسافر، أنشودة للبساطة، خليهاعلى الله، من باب العشم مقالات أدبية، كناسة الدكان سيرة ذاتية. تشكل مقالات يحيى حقى والتى صدرت فى عدة كتب كنوزا لمن يريد قراءة الواقع المصرى بتفاصيله الإنسانية والثقافية، خاصة فى الستينيات والسبعينيات، فقد كان مرآة صادقة ترصد التغييرات المختلفة ورفضها وقارنها بما كان موجودا بالسنوات السابقة وعرضها بأسلوب فنى بديع يمزج السخرية من القبح والخرافات وتقديم البدائل الراقية بعذوبة تعبر عنه ويحبها القارئ.