فى التاسع عشر من فبراير المقبل تحل ذكرى مرور 118 عاماً على مولد اللواء أ.ح. محمد نجيب (1901-1984)، أول رئيس للجمهورية المصرية بعد إلغاء النظام الملكي، وإعلان الجمهورية فى 18 يوليو 1953 وبعد نحو عام من قيام ثورة يوليو 1952، التى كان الضباط الأحرار الشبان قد اختاروه قائداً لها، وبالفعل كان الاختيار موفقا لما كان يتمتع به من سمعة طيبة وشجاعة نادرة فائقة وبطولات استثنائية مشهودة سجلها التاريخ فى حرب فلسطين 1948، وأكسبته شعبية طاغية فى أوساط ضباط الجيش عموماً، وأيضا لما عرف عنه من مواقف وطنية صادقة ضد الاحتلال البريطانى والسراي، بالإضافة إلى سعة اطلاعه وثقافته وإتقانه العديد من اللغات الأجنبية، وذلك ما كان سيجعله مستقبلا فى حالة نجاح الثورة واجهة مشرفة لها فى نظر الأوساط السياسية والدبلوماسية والإعلامية فى الداخل والخارج، وهو حاصل على ليسانس الحقوق، ودراسات عليا فى القانون وأكثر من دبلوم فى عام 1929، علاوة على ماجستير فى العلوم العسكرية.. وفعلا نجحت الثورة، ولولاه ما نجحت كما ذكر المؤرخ العسكرى الكبير اللواء أ.ح. جمال حماد وغيره من الضباط الأحرار، والتفت حوله جماهير الشعب المصرى بصورة لم يسبق لها مثيل، لما كان له فى النفوس والقلوب من قبول فائق طاغ ومحبة بالغة، وبالمثل كانت مشاعر الشعب السودانى الشقيق نحوه، والذى كانت تربطه ومصر آنذاك وحدة وادى النيل، إضافة لكونه من مواليد الخرطوم ويجرى فى شرايينه خليط من الدم المصرى والسوداني، ولكن لم يمر إلا عام وبضعة أشهر على توليه رئاسة الجمهورية الفتية، حتى كان القرار القاسى تحديد إقامته، ليعيش حياة بائسة بالغة القسوة طويلة الأمد تحت الحراسة المشددة فى قصر مهجور معزول ...إلخ، ثم بدت ملامح الانفراج رويدا رويدا، ففى أوائل السبعينيات كان إطلاق سراحه والإفراج عنه تحت الإقامة الجبرية، وبعد ذلك كان إطلاق اسمه على ميدان بالقرب من جامع سيدى بشر بالإسكندرية، ثم على إحدى محطات مترو الأنفاق بالقاهرة، وفى عام 2007 أقيم له متحف صغير فى القرية الفرعونية. أما فى زمننا الراهن، ففيه قمة الانفراجات وأوجها، بتكريمه ورد اعتباره وتكريم أحفاده تكريما يليق بأول رئيس للجمهورية بمنح اسمه قلادة النيل العظمي، وهى أعلى وأرفع وسام، ثم إطلاق اسمه على أكبر قاعدة عسكرية فى منطقة شهدت معركة من كبريات معارك الحرب العالمية الثانية، وغيرت مسارها وهى منطقة العلمين، وإطلاق اسمه على محور مهم للطرق الرئيسية بالقاهرة، وحسنا فعلت الدولة ليس فقط بتكريم اسم محمد نجيب ورد اعتباره (الذى ينتفى معه ما تلوكه بعض الألسنة من أنه رحمه الله كان متورطا مع جماعة الإخوان فى محاولة اغتيال الزعيم الراحل جمال عبد الناصر بميدان المنشية بالإسكندرية فى 24/10/1954)، بل بصدى ما فعلته، وأثره فى ترسيخ القيم والمبادئ والمثل العليا الأخلاقية، والتى نحن فى أمس الحاجة إليها، كالوفاء والعرفان والنبل والإخلاص. وكم يتمنى المرء أن يُحتفى بيوم 19 فبراير المقبل بما يليق بذكرى ميلاد أول رئيس للجمهورية المصرية، وأن يكون لأجهزة الإعلام دور فى ذلك ترسيخا للقيم والمبادئ والمثل العليا. جلال إبراهيم عبد الهادى مصر الجديدة