"الشُّكْرُ" كلمة جامعة تنتظم كل خير، وتشمل ما يصلُحُ به قلب الإنسان وجوارحه، ويكفي في بيانِ فضله أنَّ اللهَ، تعالى، وصَف به نفسَه، فقال: "وَاللَّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ". (التغابن: 17)، وقال سبحانه: "وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا" (النساء: 147). فكيف يكون المرء "شاكرًا لله"، وكيف يصل إلى منزلة الشاكرين؛ حتى يستحق شكر الله له؟ دخل أحدهم على أعمى، ابتلاه الله بأمراض شتى، فوجده يشكر الله على نِعمه، فسأله: على أي شيء تحمد الله، وأنت على ما أنتَ عليه؟، فقال: "أَشْكُرُهُ أن وهبني قلبًا مُخبتًا، ولسانًا صادقًا، وبدنًا صابرًا". قال ابن القيم: "الإيمانُ اسمٌ لمجموع القول والعمل والنيَّة، وهو يرجعُ إلى شَطرين: فعلٍ وتركٍ، فالفعلُ هو العمل بطاعة الله، وهو حقيقةُ الشكر، والتَّركُ هو الصبر عن المعصية. والدِّين كلُّه في هذين الشيئين: فعلُ المأمور، وتركُ المحظور". (يقصد الشكر والصبر). وأضاف: "الشكر مبنيٌّ على خمس قواعد: خضوع الشاكر للمشكور، وحبّه له، واعترافه بنعمه، وثنائه عليه بها، وألا يستعملَها فيما يكره". (مدارج السالكين). وفي إشارة إلهية إلى دور تقوى الله في تحقيق الشكر؛ قال تعالى: "وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ". (آل عمران123). قال ابن إسحاق: "أي: فاتقوني؛ فإنه شكرُ نعمتي". ومما يبلغ به العبد درجة "الشكور" أيضًا؛ أن يحدث بنعم الله عليه، قال الله، عز وجل: "وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ". (الضحى:11). قال أهل التفسير معناها: "انشر ما أنعم به الله عليك.. بالشكر، والثناء، فالتحدث بنعم الله تعالى، والاعتراف بها؛ شُكر". لكن ابن العربي استدرك: "هذا هو الأصل؛ إلا إذا كان يخشى حسدًا أو أن يترتب على الحديث عنها ضرر، فله أن يخفيها دفعًا للضرر". أمر آخر مهم، مع التحديث بالنعمة، وربما يسبقه، هو عدم ازدرائها أصلًا، مهما كانت بسيطة. أوصانا النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: "إِذا نَظَر أَحَدُكُمْ إِلَى مَنْ فُضِّلَ عليهِ في المالِ وَالخَلْقِ، فلْيَنْظُرْ إِلَى مَنْ هُوَ أَسْفَلُ مِنْهُ". (رواه البخاري). وفي رواية "مسلم": "انْظُرُوا إِلَى مَنْ هو أَسفَل مِنْكُمْ، وَلا تَنْظُرُوا إِلَى مَنْ هُوَ فَوقَكُم؛ فهُوَ أَجْدَرُ أَن لا تَزْدَرُوا نعمةَ اللَّه عَلَيْكُمْ ". قال النووي (في شرحه على "مسلم"): "قَالَ بن جرير، وَغَيره: هَذَا حَدِيث جَامع لأنواع من الْخَيْر؛ لِأَن الْإِنْسَان إِذا رأى من فضل عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا طلبت نَفسه مثل ذَلِك، واستصغر مَا عِنْده من نعْمَة الله تَعَالَى، وحرص على الازدياد، وَإِذا نظر إِلَى من هُوَ دونه فِيهَا ظَهرت لَهُ نعْمَة الله فشكرها وتواضع وَفعل فِيهِ الْخَيْر". ختامًا، هذا دعاؤنا نرفعه إلى الله تعالى؛ علَّه يستجيب لكل منا: "اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ كُلُّهُ، وَلَكَ الْمُلْكُ كُلُّهُ, وَبِيَدِكَ الْخَيْرُ كُلُّهُ, وَإِلَيْكَ يَرْجِعُ الأَمْرُ كُلُّهُ: عَلانِيَتُهُ وَسِرُّهُ, أَهْلُ الْحَمْدِ أَنْتَ، وَعَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي جَمِيعَ مَا مَضَى مِنْ ذُنُوبِي، وَاعْصِمْنِي فِيمَا بَقِيَ مِنْ عُمْرِي، وَارْزُقْنِي عَمَلا يُرْضِيكَ عَنِّي، إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ". [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد