«زووم إن»: شاب ثلاثينى يحملق فى شاشة لاب توب، يبدو مستغرقا تماما فيما يفعل.. لا شيء يشى بأنه ليس مجرد نسخة معاصرة لتمثال الكاتب المصرى القديم سوى انقباض وانبساط عضلة قرب الحاجبين وأنامل تمرح فى عجالة على لوحة أزرار حاسبه الشخصى.. فى الخلفية صوت لامرأة تصرخ ساخطة «أنت متجوزالكمبيوتر!!» «زووم إن»: وجه مراهق يبدو مكروبا.. فى الخلفية أصوات متداخلة توبخه لإهدار وقته فى ألعاب الكمبيوتر.. «زووم أوت»: صديقانا الثلاثينى والمراهق وسط جمع من الناس يهللون فرحين فيما يتردد فى الفضاء المتسع صوت يبشرهم بأول مسابقة تقام على ضفاف النيل لألعاب الكمبيوتر ويؤكد أنه قد حانت اللحظة لكى يدرك كل من انتقدوهم أنهم كانوا على حق!! المشاهد السابقة طبق الأصل لواقع يومى يفرض نفسه ويؤكد أن ظهور شبكة التواصل الاجتماعى وتطبيقاتها المختلفة أدى بدوره لظهور أجيال جديدة تتفاعل مع هذه الوسيلة وتحاول تطويعها لتلبى احتياجاتها وتعطشها الدائم للتفاعل مع العالم الافتراضى الذى أوجدته.. الأكثر من ذلك أن البعض منهم يطوع هذه التكنولوجيا لحل مشاكله الاقتصادية وايجاد مجالات عمل جديدة، من قبيل مفهوم «البلات فورم» الذى ابتكره الممثلون الشباب لتجاوز مشكلة تراجع إنتاج المسلسلات وندرة فرص حصولهم على عمل، فاخذوا يلتقطون بكاميرات هواتفهم المحمولة أو بأجهزة بدائية مشاهد خارج الاستوديوهات ليتم تحميلها على «اليوتيوب».. وبالتالى فإن فكرة الحجب التى يتبناها البعض كلما واجهتنا واقعة صادمة كحادثة لعبة «الحوت الأزرق» وعمليات النصب الالكترونية أو التقليد الأعمى لألعاب تعتمد العنف منهجا، وإلقاء تبعة كل ما يواجهنا من سلوكيات مرفوضة على تطبيقات الانترنت فقط أمر غير مجد ومحاولة محكوم عليها بالفشل مسبقا، فعقارب الساعة لا تعود للوراء!! فى هذا السياق يؤكد رئيس قسم المعلومات بجامعة «شامبين» بالولاياتالمتحدة «لويس رودرجو» أنه فى ظل وجود منصات وسائل الاتصال الاجتماعى يستطيع الأفراد تبادل معلوماتهم الشخصية والسلوكية وأى مواد يرون لها قيمة من وجهة نظرهم ومن الصعب منعهم من ذلك، وبالتالى فإن أفضل وسيلة للدفاع وتجاوز الآثار السلبية للمواد غير الملائمة هى تبنى منهج تعليم وتثقيف المواطن ليستطيع الاختيار والتمييز بين الضار والنافع وتوظيف الآليات التكنولوجية لخدمته وتطوير المجتمع.. ورغم أن العلاقة بين تزايد وتيرة العنف وانتشار الأفلام والألعاب على الانترنت ما تزال محل جدل بسبب تضارب نتائج الأبحاث ربما لأسباب اقتصادية ومنطق الربحية- لدرجة نفى المحكمة العليا فى أمريكا لهذه الرابطة، وتأكيد جمعية البرمجيات الترفيهية فى الولاياتالمتحدة انخفاض جرائم العنف نتيجة شعبيةً وانتشار صناعة ألعاب الفيديو منذ أوائل التسعينيات، وهى أمور مع الأسف لا نملك حيالها شيئا!!، فعلى الأقل يجب ألا نغض الطرف عن أسباب العنف التى يمكننا التعامل معها، وأعنى بها البعد التربوى الذى قد لا يحد فقط من انتشار العنف بل أيضا يسهم فى الارتقاء وتحسين قدرة الشباب على اختيار المحتوى والتطبيقات على الشبكة العنكبوتية.. ولقد لخصت الدراسات التربوية أسباب الميل للعنف وإثارة الشغب فى مجموعة عوامل أهمها محاولة إثبات الذات وتأكيد استقلال الشخصية وغياب الأنشطة والاهتمامات التى تسمح للمراهق والشاب بتفريغ طاقته، والحرمان العاطفى والرغبة فى استثارة الاهتمام. كما أن هذه الممارسات تظهر كرد فعل تجاه الزجر والضرب الذى يتعرض له الطالب فى المدرسة أو المنزل. كذلك يمثل عدم استيعاب الدروس والشعور بالفشل الدراسى وضعف أداء المعلم وعدم ملاءمة المناهج وازدحام الفصول وغياب قيم الاحترام والالتزام والمسئولية وتراخى المعلم وتبسطه الزائد مع الطلبة وغياب الرقابة وسياسة الثواب والعقاب داخل المؤسسات التعليمية والأسرة، أسبابا مهمة تؤدى لعدم الالتزام والتخلى عن السلوك المنضبط. وأخيرا، فإذا كان بعض من مسئولية تفشى العنف تتحمله تطبيقات تكنولوجية جديدة تجتذب شبابنا، فإن علينا التعامل مع أسباب عنف نتحمل نحن مسئوليتها وألا ندفن رءوسنا فى الرمال. لمزيد من مقالات سناء صليحة