كنت أتمنى أن تكون مؤشرات التفاؤل فى العام الجديد أفضل من الماضي، لكن للأسف فإن المعطيات السياسية والاقتصادية والعسكرية تدفع قادة العالم ليكونوا أكثر حذرا، واتخاذ ما يلزم قبل الوقوع فى براثن الأزمات. إن الأوضاع الاقتصادية تتأزم بسبب تضافر أكثر من سبب فى الوقت نفسه، وهو ما يجعل القدرة على العلاج صعبة، بل أقرب للمستحيلة إذا حدثت، ولهذا تحتاج إلى إجراءات تصحيحية مبكرة، فديون دول العالم تتفاقم إلى درجات خطيرة تجاوزت فيها الناتج الإجمالي، وهو الخط الأحمر للاستدانة، ومع ذلك تم تجاهل هذا الخط عدة مرات فى أكثر من دولة، فرغم ارتفاع الناتج المحلى الأمريكى إلى 20.4 تريليون دولار، فإن ديونها تجاوزت 21 تريليون دولار، وتعرضت فرنسا لأزمة إقتصادية وسياسية حادة، وتجاوزت ديونها 3 تريليونات يورور، بينما الناتج المحلى يقل عن 2.6 ترليون يورو، والأوضاع فى إيطاليا وإسبانيا واليونان لا تقل سوءا. ويرافق أزمة المديونية العالمية تباطؤ فى النمو، مع تفاقم الحرب التجارية التى أشعلتها الولاياتالمتحدة مع الصينوروسيا وأوروبا ، واستخدام العقوبات الاقتصادية كأداة شبه عسكرية وبشكل مفرط. وإذا ترافق مرور أشباح اقتصادية مع اضطرابات سياسية، فإن احتمالات حدوث الإنفجارات تكون أكبر بكثير من تلك التى يمكن أن تجد تعاونا دوليا من أجل إخماد أى نيران، قبل أن تتسع، وهنا سنجد أن عام 2019 سيكون الأكثر خطورة على الصعيد السياسي، سواء داخل الولاياتالمتحدة صاحبة أكبر اقتصاد فى العالم أو خارجها، فالرئيس الأمريكى ترامب سيواجه أمواجا عاتية من الكونجرس مع تسلم الحزب الديمقراطى الأغلبية فى مجلس النواب بعد أيام، وهناك ملفات شائكة وضخمة تنتظر فتحها، بما يزيد من قوة العاصفة التى قرر ترامب أن يقف فى مواجهتها، بدلامن محاولة التوصل إلى حلول وسط، ولهذا تم إيقاف اعتماد موازنة العام الجديد وإيقاف عمل الحكومة الفيدرالية. وتمتد الاضطرابات السياسية لتشمل معظم بقاع الكرة الأرضية من الكوريتين وبحر الصين فى الشرق وحتى فنزويلا والبرازيل فى أقصى الغرب، مرورا بالشرق الأوسط وأوكرانيا، وصعود اليمين المتطرف فى أوروبا مع ظهور يسار جديد، وكأن النخب القديمة لم تعد تصلح، بل يسعى الفرنسيون إلى البحث عن شكل ديمقراطى جديد لإدارة الدولة بمشاركة شعبية. أما الأكثر خطورة فهو عودة سباق التسلح فالميزانيات العسكرية تنمو بنسبة تفوق باقى المخصصات، ولا يبدو أن دولة رئيسية أو إقليمية لم ترفع إنفاقها العسكرى فى السنوات الأخيرة، وأعطت روسيا سباق التسلح معنى جديدا يركز على التطور التقنى أكثر من حجم القوات، وتمكنت من إدخال أسلحة جديدة، آخرها صاروخ يتجاوز سرعة الصوت 20 مرة، مع قدرة على المراوغة الأفقية والرأسية، أى أنه صاروخ لا يمكن إسقاطه، وترد الولاياتالمتحدة باستحداث فرع للأسلحة الفضائية، وتقررنشر قوات فى القطب الشمالي، وهكذا يكون العالم قد دخل أحد أخطر سباقات التسلح. ورغم وجود مؤشرات إيجابية تتعلق بمنطقتنا العربية، منها إعادة فتح سفارة الإمارات، وإعلان البحرين أن سفارتها مستمرة، مع انطلاق رحلة جوية بين سوريا وتونس، إلا أن رتق العلاقات العربية لتكون قوة مؤثرة على الساحة الدولية مازال مبكرا، وأننا فى مرحلة تضميد الجراح فى سوريا والعراق وليبيا واليمن، وهى بأى حال خطوة مهمة وضرورية، وعلى الأقل توقف شلالات الدم والأموال المهدرة فى الحروب الداخلية. ومع التكهن بقرب إطلاق صفقة القرن مطلع العام الجديد، فإن أجواء الحروب هى ما نجده فى السلوك الإسرائيلي، من جنوبلبنان مع حكاية الأنفاق، ومعركة غزة التى أكدت قوة الردع الفلسطينية لأول مرة، ثم عودة الغارات الإسرائيلية على سوريا، ليثبت رئيس الوزراء الإسرائيلى نيتانياهو قبل الانتخابات المبكرة فى أبريل أنه قادر على توفير الأمن، رغم النكسات التى تعرض لها التحالف الأمريكى فى سوريا والعراق، ولم يحسب نيتانياهو حسابا لرد صاروخى سورى على المواقع العسكرية فى هضبة الجولان المحتلة، والتى قد تربك كل حساباته. ويبدو أن ما ستطرحه الولاياتالمتحدة لا يزيد عن كونه تهديدا إما بالسلاح النووى أو السلام النووي، أى أن الهدف هو التدمير بوسائل حربية أو تفاوضية. ولأن المؤشرات العالمية والإقليمية لا تبعث على الثقة ولا الأمان، سواء فيما يتعلق بالاقتصاد أو الحروب فإننا مطالبون بالجهوزية الاستباقية تحسبا للطوارئ، سواء بوضع تصور اقتصادى يعتمد على استقلال نسبي، وقدرة على توفير المتطلبات الأساسية، وكذلك بالرضا الإجتماعى بالشراكة الشعبية والشفافية. لمزيد من مقالات مصطفى السعيد