المبدعون الحقيقيون هم من يتحدون أصعب الظروف ويأتون بما يعجز أقرانهم عن الإتيان بمثله، لقد شهدنا حفل تكريم ذوى الاحتياجات الخاصة بل قل ذوى القدرات الخاصة بتشريف الرئيس عبدالفتاح السيسى، وتابعنا ما حققوه من إنجازات يعجز كثيرون ممن رزقوا تمام الصحة والعافية أن يأتوا بمثلها أو بعضها، ولله فى خلقه شئون، فقد خلق سبحانه وتعالى الكون ونظمه ووزع فيه الأرزاق بحكمته وعدله، فهذا رزقه مالا، وهذا ولدا، وهذا صحة، وذاك مكارم الأخلاق، وقد صدق من قال إن النعم مقسمة بعدالة تامة، فجملة ما عند زيد هى جملة ما عند عمرو بتساوٍ فى النعم، غير أن الناس قسمان: قسم يرضى بما قسمه الله له ويجتهد فى إطاره، ويعمل على تنمية قدراته التى منَّ الله عليه بها فيربح الدارين، وآخر لا يملك سوى الجزع والسخط، فمن رضى فله الرضا، ومن سخط فله السخط، وقد مرَّ أحد الناس على رجل مقطوع اليدين والرجلين ينظر إلى حاله بعين الرضا ويقول: الحمد لله الذى عافانى مما ابتلى به كثيرًا من الناس، فنظر إليه الرجل وقال: ومم عافاك الله يا أخي، فقال: الحمد لله الذى جعل لى لسانًا ذاكرًا وقلبًا خاشعًا وجسدًا على البلاء صابرًا . فبعض الناس يخلق مما يراه الناس محنة منحة مبهرة برضاه وأمله وعدم يأسه أو سخطه، فيرضى بقسمة الله له ويجتهد فيما عوضه الله به، وآخر يرى النعم كل النعم فيما افتقد لا فيما منح، فإن رزق المال والصحة وابتلى بعدم الولد لا يكاد يرى نعمة فى الكون إلا نعمة الولد، فيعيش ساخطًا حانقًا محبطًا ناسيًا أن النعمة قد تكون فى الولد وقد تكون فى عدمه, وأن العقم نعمة من نعم الله كنعمة الإنجاب سواء بسواء، وأن الولد قد يكون نعمة لوالديه وقد يكون نقمة عليهما، حيث يقول الحق سبحانه: «وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا»، ويقول سبحانه: «لِّلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَن يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَن يَشَاءُ الذُّكُور أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَن يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ». ومن رزق الولد والصحة وابتلى بقلة المال لا يرى السعادة إلا مالاً، وهو لا يدرى أن هلاكه قد يكون فى كثرة المال الذى يفسده ويطغيه، فالمال يكون نعمة لمن جمعه من حله وأنفقه فى حقه وأدى حق الله تعالى فيه، ويكون نقمة على من جمعه من حرام أو أنفقه فى حرام ولم يؤد حق الله تعالى فيه. لقد تعلمنا من المبدعين من ذوى القدرات الخاصة دروسًا فى الرضا، ودروسًا فى الصبر، ودروسًا فى الإرادة، ودروسًا فى التحدي، ودروسًا فى العزيمة والإصرار وتحقيق الإنجازات والبطولات، وهو ما لو تشبثنا به لغيرنا كثيرًا من واقعنا، واختصرنا كثيرًا من الزمن فى المسافات نحو اللحاق بمصاف الأمم الأكثر تقدمًا ورقيًّا وازدهارًا.. فتحية لذوى القدرات الخاصة على عزيمتهم وروحهم العالية وما حققوه من إنجازات مبهرة, وتحية للرئيس الذى عنى بأمرهم وخصص عام 2018م عامًا لهم. لمزيد من مقالات د. محمد مختار جمعة وزير الأوقاف