فى بادرة غير مسبوقة عبر تاريخه المديد، يفتتح اليوم بالجامع الأزهر «ملتقى الأزهر للخط العربى والزخرفة» برعاية الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، وبإشراف الدكتور محمد مهنا، المشرف العام على الرواق الأزهري. يأتى الملتقى ضمن مبادرات الأزهر تحقيقًا للأهداف القومية الرامية إلى المحافظة على الهوية العربية والإسلامية، وتنميتها وترسيخها لدى جميع أطياف المجتمع فى مواجهة ظاهرة الاغتراب الفنى وطمس الهوية وضياعها، وتشجيعاً للأجيال الشابة والنشء على الاهتمام بتراثنا فى الخط العربى والزخرفة الإسلامية والحفاظ عليها . وسيتم على هامش الملتقى الذى يمتد حتى 15يناير المقبل تكريم مجموعة من فنانى الخط العربى والزخرفة وعقد ورش عمل ومحاضرات فنية وأثرية ومعرض لطلاب رواق الخط العربى والزخرفة، كما سيتم توزيع جوائز للمبدعين المتميزين من المشاركين بالملتقي. «إن أقصى نقطة أردت الوصول إليها فى التصوير وجدت الخط الإسلامى قد سبقنى إليها منذ أمد بعيد»..هذا ما قاله الفنان الإيطالى بيكاسو.. ومن هذا المنطلق كما يقول الدكتور إسماعيل الشربيني، مقرر اللجان، انبثقت فكرة الملتقى منتصف أكتوبر الماضي. وتقدم للمشاركة فيه 500 فنان بأعمالهم بإجمالى 2500 عمل من كل دول العالم. وتم اختيار 200 عمل منها، وكما أوضح إسماعيل عبده، قومسيير الملتقي، استقبل الملتقى أعمال كبار الفنانين: مسعد خضير البورسعيدي، نقيب الخطاطين، وأخيه مصطفى خضير، ومحمد حمام، وعبدالله عثمان، ومحمد بغدادي، وسعد غزال، وعصام عبدالفتاح، ومصطفى عمري، وشرين عبدالحليم (كاتب الحرم المكي)، وصلاح عبدالخالق، وجودت محمد، وأحمد عادل، وإسماعيل عبده.. كما استقبل أعمال الفنانين: محمد القاضي، ومحمد قنا، وجمال نجا من سوريا، ووفدت إليه أعمال الفنانين السعوديين: عكلة الحمير، وأنس تركماني، وعبدالله فتيني، وعبدالرحمن أمجد، ومن لبنان فادى أبو ملحم، بالإضافة إلى أعمال الطلاب الوافدين من إفريقيا وآسيا وأوربا الذين يدرسون فى الأزهر. الجانب الروحى للخط العربى عبر عنه الدكتور محمد مهنا قائلا: فى البدء كانت «النقطة» التى تعبر عن بدء الوجود والخلق، عن التقاء الكل فى مركز، وإشعاع الكل عن المركز. وحينما تتحرك النقطة فى خط مستقيم أو خط منحن تتفجر العملية الفنية. والخط الهندسى فى الفن الإسلامى يتحاور مع نفسه، يكمل عملية الخلق من خلال التوازى والتوازن والتناظر والتعاكس واللقاء والافتراق والتكرار اللانهائي، كتكرار الابداع اللانهائي، فالخط الهندسى الإسلامى هو دومًا فى حالة تأمل روحي. فإذا تأملنا الشكل النجمى نجد أنه انبثاق كل شئ عن الله.. إشعاع الوجود من واجب الوجود ومن النقطة المركز ومن جوهر الأشياء.. هو تعبير عن أن التفرعات لا معنى لها دون الارتباط بالمركز. فالصلاة بدورها هى اتجاه فى خطوط مستقيمة إلى مركز الاتجاه (الكعبة) عبر محور النظر التأملى البعيد.. إنها رسم بخطوط غير منظورة للنجمة الهندسية الكبرى التى تنتظم العبادة الإسلامية فى أنحاء الأرض وتربطها بمركزها الروحى ومنطقة الانطلاق والعودة. ولذا سجلت الكلمة «الوحى المقدس»، وحملت كلمة الله؛ فأخذ الخط العربى الأولوية على جميع الفنون من جهة، وفرض نفسه فى العمارة الإسلامية. الحفاظ على الهوية وأهمية الملتقى كما أوضح الدكتور فتحى حماد، أستاذ النسيج والطباعة بتربية الأزهر، تكمن فى دوره فى تحقيق الاستمرارية الإبداعية والتواصل الحضارى لرافد مهم ومنبع خصب وثرى من تراث الإسلام فى فنونه التشكيلية المتنوعة، وحضارته المشرقة والمزهرة عبر العصور والأزمان على جميع الإنسانية، والتى نجد أثرها وظلالها على إبداعات العديد من الفنانين والاتجاهات الفنية فى شتى أنحاء العالم. وقال الدكتور يحيى أبو المعاطى العباسي، الباحث فى التاريخ الإسلامي: الخط العربى أحد الفنون التى تدل على مستوى رُقى الفنان المسلم وأحد وسائل التحاور فى المجتمعات العربية التى ترتبط بروح الأمة الإسلامية النابعة أفكارها من تعاليم القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة، حيث أصبح للحرف العربى منزلة مقدسة فى نفس الفنان المسلم. والفن الإسلامى له خصائصه ومميزاته عن بقية الفنون فهو فن قائم بذاته، فقد جاء تعبيراً رمزياً منسجماً مع روح العقيدة الإسلامية التى عكسها الفنان المسلم فى عمله الفنى من خلال اعتماده على جملة أساليب فى تجسيد ابتعاده عن الواقع. كما تمكن الفن الإسلامى من تحقيق مبدأين أساسيين، فبالإضافة إلى كونه فناً روحياً يهدف الى الارتقاء بالنفس عالياً، فقد دفع الإنسان للتفكير دائماً بعظمة المبدع الحق الكامل ومقدرته؛ فهو أيضا فن مادى قادر على تأدية وظيفته الحياتية فى المجتمع حيث كان شديد الصلة بحياة الفرد المسلم وأدواته واستخداماته اليومية حتى شكل جزءاً أساسياً من حياته. وانبثاق الملتقى عن الأزهر، كما يرى مصطفى عمري، أستاذ الخط العربي، يعكس الدور المهم والحقيقى للأزهر الذى عهدناه منذ القدم، فهو المؤسسة الوحيدة المنوطة بالحفاظ على الهوية الإسلامية المتمثلة فى القرآن والسنة، وبما أن القرآن الكريم عربى فالخط واللغة العربية توءمان. وقد شرف الخط العربى باقترانه بالقرآن الكريم؛ فهو الوعاء والحافظ للغة القرآن (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون). فالقرآن الكريم أعطى الخط قدسية عظيمة وأعلى من قيمة الروحانيات من خلال عرض الآيات التى تقوى الإيمان.