بعد أن عاشت تحلق فى رحلة طويلة كغيرها من المُبدعات السعوديات الباحثات عن حرية الإبداع النسوي، استطاعت الروائية أميمة الخميس أن تخطف هذا العام لأول مرة جائزة نجيب محفوظ للأدب التى يمنحها قسم النشر بالجامعة الأمريكية بالقاهرة لدولة السعودية بنعومة سرد روايتها «مسرى الغرانيق فى مدن العقيق» التى نسجتها من قلب التاريخ لتحاكى قضايا الحاضر.. ولكى تكتمل الحكاية كان لنا هذا الحوار مع الفائزة لنُبحر أكثر بين ضفاف حياتها الإنسانية والإبداعية. ماذا عن شعورك بعد ما ارتبط اسمك باسم محفوظ، هل كنتِ تتوقعين الجائزة؟ لا أجد من الكلمات ما يعبر عما بداخلى من فرحة بعد وقوفى فوق هذا المنبر المصرى الذى تهجت منه البشرية أبجدية الحضارة؛ لدى فرحة عارمة ومركبة؛ أولها شعور المرأة السعودية التى تجاوزت المرحلة التقليدية التى كانت فيها مستهلكة للثقافة لتصبح اليوم ليست فقط منتجة للثقافة فحسب، بل فى الصفوف الأولى فى الإنتاج الثقافي، الأمر الآخر مرتبط بتعلقى بالأديب نجيب محفوظ، حيث تربطنى به علاقة كبري، هو الأب الروحى للرواية فى العصر الحديث، كبيرنا الذى علمنا السحر واقتراف الحكاية، هو الذى آمن بالرواية وصنع مجدها الحالى بعد أن حمل صخرتها كسيزيف للقمة دون أن يتقهقر. فكيف أصف شعورى وأسمى قد ارتبط بهذا المبدع العظيم. أما عن الفوز فكانت تحدثنى به نفسى وأتوقعه لأن الرواية قُوبلت باحتفاء من قبل بعض النقاد فتوقعت أنها لن تمر بسلام. كيف تأثرتِ بإبداع محفوظ ؟ تأثرت به فى عُمر مبكر عندما قرأت رواية أولاد حارتنا، فبين صفحات الرواية سيطر على هاجسان؛ الأول لا يرد الجبلاوى على تضرعات أهل حارته، أما الثانى التماهى بين أسمينا أنا وأميمة زوجة الجبلاوي، الأمر الذى استدرجنى لأصبح جزءاً من تلك الحكاية التى سحرتني، لم يكن سنى الباكر يطلب أكثر من هذا لينظم فوضى العالم من حولي، ليضع حب القراءة فى مقدمة أولوياتي. بعدها بتُ أطلب المزيد من الروايات وظل محفوظ محفوظاً فوق قائمة مطالعاتى فى مرحلة الواقعية، انتقالاً إلى أعماله الفلسفية الوجودية وصولاً إلى تجلياته الصوفية التى ظهرت فى أعماله الأخيرة. حدثينا كيف جاءتك فكرة الرواية، وخطوات تحويلها إلى عمل فنى رائع ينتمى لأدب الرحلات؟ تكونت فكرة الرواية لدى بشكل تراكمي؛ أتت كشرارة أولى ثم بتُ أغزل الأفكار والأحداث داخل الحكاية كما تغزل دودة القز خيوطها الحريرية حتى تتكثف، الشرارة كانت سؤالا: كيف على مر ألف عام والثقافة العقلية مجهضة حتى إلى عصرنا الحالى فمازال الصراع بين ثقافة العقل والنقل يدور داخل حلقة مفرغة؟. لذا حاولت فى مدن العقيق استخدام رموز المدن الحمرا المُشبعة بلون الغضب والدم والاستبداد، وتوظيف تقنية الرحلة من خلال الرحال الذى يبحث عن المعرفة ونقلها من خلال الكُتب التى تلعب دوراً أساسياً فى الرواية وترمز إلى الحضارة الغنية التى يسعى البطل للحفاظ عليها من خلال رحلته من بغداد إلى قرطبة حتى لا تفني. الشكل الروائى عبارة عن فكرة تصوغ عباراتها المشاهد المختزنة والقراءات المكثفة التى تقوم بدرها فى بلورة الشكل النهائى الخاص بها. تمكنتِ عبر الرواية من تقديم مغامرة لغوية قديرة وممتعة؛ من شكل مخزونك السردي؟ ومن هو كاتبك المُفضل؟ روافد كثيرة أسهمت فى تجربتى الأدبية، أولها الثراء الفكرى والأدبى للبيت الذى نشأت فيه جعل نهمى للقراءة لا ينطفئ، فالكتب كانت ترص على الجدران من الأرض للسقف لتضيف لأمسيات العائلة نكهات خاصة، أبى المؤرخ الذى تبحرت معه داخل الحكايات التاريخية وأمى الكنعانية الفلسطينية المثقفة التى أفضت إلى قلبى الكثير من المعرفة، ومن حب القراءة للاطلاع لدراسة الأدب لعشق الكتابة والعمل الصحفى لمحاكاة الأطفال. كل هؤلاء كان لهم أثر عميق فى تكوين مخزونى السردى وجعلونى أكثر جراءة لاقتحام العالم الروائي، اكثر الفنون تركيباً وتعقيداً ومتعة على الإطلاق. أنا دودة كتب؛ أقرأ للجميع بشكل مُكثف، لكنى أستطيع أن أقول إن أعمال أمين معلوف والروائى أورهان باموق أبهرتني، كما أنى متابعة جيدة لكتابات بعض المفكرين المعاصرين مثل محمد عابد الجابرى الذى أهديته هذه الرواية. استطاعت المرأة السعودية فى الفترة الأخيرة تحقيق الكثير من الإنجازات، وحصولك اليوم على هذه الجائزة التى للمرة الأولى تفوز بها السعودية بفضل امرأة مبدعة يعد أحد هذه الانجازات.. فما هى دلالة الجائزة بالنسبة لك بشكل خاص، وبالنسبة للمرأة السعودية ؟ بالنسبة لى أنا فى حالة من الفرح لا توصف، وبالنسبة لردود الفعل على المستوى الوطني، كان هناك احتفاء كبير بالجائزة، فبعد نصف قرن فقط من تعليم المرأة لم تعد مستهلكة للثقافة فقط بل أصبحت منتجة لها أيضاً وهذا بالفعل ينحى الصورة النمطية المأخوذة عن المرأة السعودية أنها مهملة أو محيدة بل إنها حاضرة ومنتجة ولها دور فعال. هل استطاعت الأديبة السعودية تخطى المعوقات وتكسر القيود القديمة فى الكتابة، أم مازال هناك ما يقيد القلم عن البوح؟ لا اقول أن الأسقف مرتفعة للتعبير بحرية، فمازال هناك قيود، لكنها تزيد أيضاً من التحدى والإبداع، فالقيود جزء من التحدي؛ أضافت للمرأة صلابة وجعلتها تتجاوز كل العوائق والحواجز وتصبح أكثر إيماناً بموهبتها ورسالتها الأدبية كفكرة وغاية وهدف. وليس فى الساحة الأدبية فحسب فالمرأة السعودية بات لها رغم القيود حضور لأكثر من مستوى ومجال؛ أصبحت تحمل حقائب وزارية وقريبة من مواقع صنع القرار، فتمكين المرأة السعودية من حقوقها هى أحد ملامح رؤية 2020 التى تسعى لحملها بالثقافة والإبداع مهما قابلت من صعاب. كيف ترين موقع الأدب السعودى على خريطة الأدب العربى، وبالأخص الأدب النسوى؟ الأدب السعودى الآن بدأ يخطو خطوات نستطيع أن نقول إنها مهمة ومميزة؛ فهناك الكثير من الروايات السعودية حققت جوائز على المستوى العربي، وروايات آخرى ترجمت وأصبحت لها حضور فاعل ومُنتج، أما بالنسبة للأدب النسوى فهناك مفارقة، لأن نصف الروايات التى تُنتج فى السعودية تكتبها نساء، المرأة حاضرة بقوة لكنها غائبة عن الساحة بفضل خجلها الذى يؤثر على حضورها وأيضاً تكاسل الإعلام فى تسليط الضوء على تجربتها. ومن هنا أجدها فرصة لأشكر مصر المعطاءة، بوصلة الثقافة التى تشبه القنطرة بين العالم العربى والعالم بشكل أشمل.
لمحات عن جائزة محفوظ للأدب جائزة نجيب محفوظ هى جائزة أدبية تمنح سنوياً لإحدى الروايات الحديثة فى حفل يقام يوم مولد الكاتب الكبير نجيب محفوظ فى 11 ديسمبر من كل عام. تمنح هذه الجائزة منذ عام 1996 تحت رعاية دار نشر الجامعة الأمريكية بالقاهرة، الناشر الرئيسى لأعمال محفوظ باللغة الإنجليزية لأكثر من 30 عاماً، والمسئول عن نشر أكثر من 6000 طبعة باللغات الأجنبية الأخرى لأعمال محفوظ التى ترجمت إلى 40 لغة فى جميع أنحاء العالم. وتبلغ قيمة هذه الجائزة ألف دولار مع ترجمة الرواية الفائزة إلى الإنجليزية ونشرها فى جميع أنحاء العالم، يشترط أن تكون الروايات العربية المقدمة قد نشرت للمرة الأولى قبل موعد الجائزة بعام فقط. وقد فاز الأعوام السابقة مجموعة من الأقلام المُبدعة من مصر ومختلف الجنسيات العربية؛ بدأتها روايتى «البلدة الأخري» للروائى إبراهيم عبد المجيد و»الباب المفتوح» للمبدعة لطيفة الزيات عام 1996، لتنطلق بعد ذلك الجائزة لتعانق الإبداع الأدبى من مختلف الأقطار العربية كالجزائر ولبنان والعراق والسودان وسوريا حتى وصلت للكاتبة الفلسطينية حزامة حبايب عن روايتها مُخمل العام الماضي. أما عن هذا العام فقد كانت الجائزة من نصيب دولة السعودية للمرة الأولى على يد الروائية أميمة الخميس عن روايتها « مسرى الغرانيق فى مدن العقيق» التى وصفتها لجنة التحكيم بأنها رواية غنية وجادة تنتمى لأدب الرحلة؛ تأخذنا بين أحداثها من العالم العربى إلى الأندلس لتسرد العلاقات بينهما من خلال مكتبة تاجر الكتب ورحلته التى تتناول الزمن الحالى من خلال التاريخ.