أكتب قبل أسبوع من يوم عيد النصر الذى يوافق مرور 62 عاما على خروج آخر جندى وآخر قطعة بحرية من قوات الغزو البريطانية المشاركة فى العدوان الثلاثى على مدينة بورسعيد التى استطاع أبناؤها هزيمة الجيوش الثلاثة المعتدية، وإفشال مخطط العدوان لإعادة احتلال مصر والاستيلاء على قناة السويس كما اعترفوا فى وثائق ظهرت بعد الانتصار.. أيضا وضع هذا النصر النهاية لقوى الاستعمار القديم واسقطوا حكاما ورؤساء وزارات ووزراء. أكتب لأنبه وارجو أن نحتفل بيوم النصر الأحد المقبل الذى يوافق الأحد 23 ديسمبر 1956 كما يليق بأرواح آلاف الشهداء وبما يبعث مشاعر الفخر فى أجيالنا الجديدة ويستعيد ذاكرتها الوطنية وأكتب بعد مرور 62 عاما على معارك دامية امتدت نهارا وليلا 48 يوما واجهها أبناء بورسعيد ببطولات نادرة وقوات الغزو تشعل النيران من جميع حدودها وتغلق مداخلها وتقطع الكهرباء وتستولى على جميع ما فى مخازن الطعام ويدفعها رعبها من قوة وعنف المقاومة أن تفتش من يتحرك فى شوارعها من الرجال والنساء والأطفال. والمظاهرات تعم العالم العربى والدول الصديقة من أجل بورسعيد والعراقيون ينسفون أنابيب البترول فى كركوك ويحرقون القنصلية البريطانية والفدائيون ينسفون أنابيب مياه فى إسرائيل ولا تنسى قوات الصهاينة أثناء انسحابها من سيناء أن تسرق تموين الأهالى هناك وتسارع بلدهم بإمدادهم بمواد التموين ويبعث محافظ مدينة ستالنجراد أعقب المعركة برقية تهنئة لمحافظ بورسعيد محمد رياض الذى وضعت القوات المعتدية الرشاشات فى صدره ليعلن استسلام المدينة فرفض وأعلن أنه يتلقى الأوامر من قيادته بالقاهرة. أكتب لنستعيد القليل جدا مما يمتلئ به ويفيض الأطلس التاريخى لبطولات بورسعيد 1956 الذى أعده ابنها ومؤرخها أ.ضياء القاضى.. لماذا مثل هذه الكتب التى تؤرخ لانتصاراتنا لا تكون جزءا من مسابقة حرة للقراءة يمنح الفائزون فيها جوائز أدبية قيمة. يقول أ. ضياء إن اجمالى القوات المعتدية كما أعلنت الأممالمتحدة كان 11 ألف جندى وأن تجار المدينة أغلقوا بالكامل محالهم فى وجوه المعتدين رغم محاولات الترهيب والتعذيب وكيف كانت عملية اختطاف الضابط مور هاوس الذى استدرجه إلى الكمين أبطال من المجموعة الرابعة للمقاومة الشعبية التى تكونت من 10 فرق من شباب لم يتجاوز بعضهم السابعة عشرة ومن فتيات وسيدات بورسعيد تكونت الفرقة العاشرة وكيف خرجوا جميعا فى مظاهرة تتجاوز 3 آلاف من رجال وسيدات وأطفال بورسعيد بعد صلاة الجمعة 10 ديسمبر من أغلب مساجد المدينة يحملون الأعلام منكسة تحية لشهداء المعركة وواصلت المقاومة الشعبية والفدائيون طبع مجلة الانتصار فى مطبعة ابن بورسعيد حامد الألفى أيضا كان من أبطال المعركة مطبعة مخلوف وحملت دائما أخبار الانتصارات وهزائم المعتدين وزادت فى إشعال الروح الوطنية... للأسف تضيق مساحة المقال عن ذكر عجائب ومدهشات المقاومة والانتصار وأبطالها وأخشى أن أذكر أسماء وأنسى أسماء وكلهم من المقاومة الشعبية والفدائيين والقوات السرية من الصاعقة والقوات المسلحة ومن الشرطة ممن تسللوا وتخفوا رغم الحصار الكامل للمدينة واعتز بمن استمعت إليهم كالبطل رحمة الله عليه السيد عسران وأبطال خطف الضابط الإنجليزى مور هاوس وهم أحمد هلال وحسن عثمان ومحمد حمدالله وعلى زنجير ومحمد إبراهيم سليمان وطاهر مسعد لا أنسى أن أذكر أنهم فى 24 ديسمبر خرجت آخر القطع البحرية الإنجليزية من ميناء بورسعيد فى الساعة الخامسة إلا ربع مساء وكانت القوات الفرنسية قد انسحبت من مدينة بورفؤاد فى العاشرة من صباح 23/12/1956. أعتذر عن اختصار أرجو ألا يكون مخلا بما حدث خلال 48 يوما من عجائب ومدهشات وإبداعات مدينة صغيرة كانت من أجمل مدن مصر لقوات غازية تجاوزت 11 ألفا، بينما أغلب المقاومة لم يكن بيديها إلا أسلحة متواضعة وبنادق رشاشة وزعت عليهم مع بداية المعركة ولكن كان سلاحهم الأقوى كرامة وعشق الوطن يجرى مجرى الدماء فى عروق هذه الأجيال الأصيلة من أبناء بورسعيد وقبل أن يأتيها غزاة جدد، وللأسف هذه المرة بعضهم منا وأكثرهم غرباء عن المدينة لا يعرفون لها تاريخا ولا مقومات حضارية أو جمالية، وأصبح كل همهم استغلال ميزاتها وموقعها العبقرى الذى لا يتوافر لمدن بحرية تفوقت واشتهرت فى العالم العربى وشرقا وغربا، وبعد عز ومجد وازدهار وطنى وسياسى واقتصادى واجتماعى امتلأت حياة أبنائها الحقيقيين بالمشكلات وفى مقدمتها الكساد والبطالة وزادت أوضاعها سوءا بسبب تضارب قرارات وسياسات الحكومات المتتالية بشأن سوقها الحرة.. فى أهرام الجمعة 10/12 أى منذ أيام قليلة كتب أ. محمد عباس: المدينة الباسلة بعد 42 عاما من تحويلها لمنطقة حرة ضحية الكساد والتهريب المنظم والقرارات المتضاربة.. الأسواق مهجورة والباعة متفرغون لألعاب الموبايل والزبائن يعانون الغلاء، ويعلن محافظها اللواء عادل الغضبان أنهم متمسكون بالمنطقة وجادون فى محاربة المهربين، وهذه تصريحات تقتضى إعلان قرارات وتطبيق قوانين حازمة وعادلة وشفافة ليقود المدينة بإدارة رشيدة لتهدى ثمار ميزاتها العبقرية وثمار مشروعات تنمية محور القناة إلى أبنائها الحقيقيين وإلى شبابها وألا تواصل الذهاب لغزاة جدد أو لمهربين!! لمزيد من مقالات سكينة فؤاد