* الشباب من سن 18 إلى 40 عاما الأكثر عرضة والكشف المبكر أهم خطوات العلاج * المرضى: الدولة تتكفل بالعلاج بقيمة تتجاوز 10 آلاف جنية شهريا.. وتحتاج لعلاجات كثيرة مكملة
ثلاث عمليات جراحية كانت حصيلة ما عانته «نشوى ربيع» نتيجة التشخيص الخاطئ لحالتها المرضية طوال عقد من الزمن، ففى سن الرابعة عشرة شعرت بثقل فى الذراع اليمنى وبعد الكثير من الفحوص التى لم توضح أى مشكلة سأل الطبيب والدتها إذا كانت تعانى ادوار التهاب الحلق المتكررة، وكانت الإجابة نعم، فقرر الطبيب أنه من الأفضل إجراء جراحة لإزالة اللوز، فبالتأكيد ثقل الذراع هو مؤشر لبداية الحمى الروماتيزمية وعليهم الإسراع بالجراحة.
وبالفعل تحسنت الحالة وتحركت ذراع نشوى، ولكن بعد مرور سنوات وخلال دراستها بكلية الطب عادت الحالة للظهور مرة أخرى، ولكنها توجهت هذه المرة لطبيب العظام الذى شخص حالتها بعدم وصول الدم للأطراف بشكل جيد وضرورة إجراء عملية «تسليك»، وبالفعل خضعت نشوى مرة أخرى لجراحة تحسنت بعدها مع إجراء العلاج الطبيعي.
ولكن الأمر لم ينته، فبعد فترة قليلة أصيبت اليد اليسرى بنفس الحالة ولم تعد قادرة على استخدامها، وخضعت نشوى لجراحة تسليك أخرى وحصلت على نفس النتيجة.
وكانت نقطة التحول والبحث الحقيقى عن سبب هذه الحالة المتكررة هى عودة الإصابة لنشوى مرة أخرى ولكن بشكل أشرس، ففى هذه المرة أصيبت بشلل تام فى الأطراف ولم تعد قادرة على الحركة.
واخيرا خضعت نشوى لرسم المخ الذى اظهر إصابتها بمرض «التصلب المتعدد» وكان العلاج عبارة عن جرعات كبيرة جدا من الكورتيزون وبالفعل تحسنت الحالة بعد مرور شهرين.
لم تكن نشوى الحالة الوحيدة، فكثير من المرضى يتم تشخيص حالاتهم بدقة بعد فترة طويلة من عدم امكانية التشخيص الصحيح، وتشير الأرقام التقديرية الى أن عدد المصابين فى مصر بمرض التصلب المتعدد يصل لنحو 30 ألف مريض اغلبهم من الشباب، وأن 56% فقدوا وظائفهم بسبب الإصابة بالمرض وفقا لدراسة أجرتها جمعية «الرعاية»، وخلال السنوات الماضية كان مرضى التصلب المتعدد يعانون من اجل توفير العلاج الذى قد تصل تكلفته فى اقل تقدير لعشرة آلاف جنيه شهريا، حتى تم ضم هذه العقاقير للعلاج على نفقة الدولة.
ولكن مازال العديد من التحديات يواجه المرضى، مثل ارتفاع اسعار الأدوية المكملة وقلة عدد الأسرة بالوحدات المخصصة لتشخيص وعلاج المرض، ولعل أهم هذه التحديات هو سرعة تشخيص المرض التى قد تسهم فى تقليل الآثار السلبية له.
التشخيص المبكر تؤكد الدكتورة دينا عبد الجواد زمزم أستاذ مساعد المخ والأعصاب بطب عين شمس وعضو مجلس إدارة الجمعية المصرية للتصلب المتعدد واستشارى بوحدة التصلب المتعدد بمستشفى جامعة عين شمس، ان أكبر المشكلات التى تواجه المصابين بالتصلب المتعدد هو تشابه أعراضه مع أعراض أمراض أخرى كثيرة، مما يؤخر عملية التشخيص الصحيح، ولذا فإن أهم ما يجب أن يلفت نظر الطبيب المعالج هو الفئة العمرية للمصاب وهى من 18 إلى 40 سنة، كما أن الإصابة فى الإناث ضعف الذكور.
وتقول الدكتورة دينا: «تأخر التشخيص يسبب عبئاً كبيرا على المريض، والتوجه لتخصص خطأ هو أهم هذه العوامل، فبعض أطباء المخ والأعصاب ليس لديهم الوعى الكافى باحتمالية الإصابة بالتصلب المتعدد، وهو ما يحتاج لرفع الوعى لديهم من خلال المؤتمرات والتوعية بكليات الطب».
وتؤكد الدكتورة دينا أيضا ضرورة رفع وعى المواطنين، وهو ما تلاحظ بالفعل خلال العام الماضى، وتوضح:«عندما تم افتتاح وحدة التصلب المتعدد بمستشفى الدمرداش عام 2013 تردد عليها نحو 300 مريض فقط خلال عامين، ولكن مع زيادة الوعى وبخاصة فى وسائل الإعلام وأيضا توافر العلاج على نفقة الدولة زادت أعداد المترددين للكشف والعلاج إلى 3000 زائر».
وتشرح أستاذ مساعد المخ والأعصاب طبيعة مرض التصلب المتعدد، موضحة انه مرض يسبب خللاً فى الجهاز المناعى الذى يدافع عن الجسم من الداخل والخارج من خلال مهاجمة الميكروبات التى تصيبه، التى قد تضره ولكن الذى يحدث فى حالة الإصابة بالتصلب المتعدد هو مهاجمة أعضاء الجسم وبخاصة الجهاز العصبى المركزى، فيبدأ الجهاز المناعى فى اعتبارها أجساما ضارة بالجسم فتهاجم الجهاز العصبى المركزى، وبخاصة الغشاء المحيط بالعصب.
وتبدأ الأعراض المختلفة بالظهور وأشهرها إصابة العصب البصرى، حيث تتدرج الأعراض من ضعف الإبصار أو وجود «شبورة» العين أوازدواج الرؤية أو الحول وقد تصل لفقد الرؤية. وتظهر الأعراض أيضا فى ضعف الأطراف أوعدم اتزان المريض وأحيانا شلل نصفى أو رباعى لكل الأطراف.
كما قد تظهر الأعراض فى احتباس البول أو إمساك فى عملية الإخراج أو تنميل فى الوجه، وتضيف أستاذ المخ والأعصاب:
«أشارت الدراسات الحديثة لاحتمال الإصابة بأمراض نفسية وأن التصلب المتعدد قد يؤثر على سرعة البديهة والتركيز»، وعن طرق تشخيص مرض التصلب المتعدد، تشير أستاذ مساعد المخ والأعصاب إلى ضرورة إجراء رنين على المخ بالصبغة أو أشعة على العصب البصرى أو بذل النخاع.
ويختلف العلاج وفقا لحالة المريض وقد يبدأ بجرعات عالية جدا من الكورتيزون وقد يصل إلى العلاج الكيمياوى.
وقد يتحسن المريض بنسبة 100% وقد تترك «الهجمة» أثرها على الأطراف، لذا تؤكد أستاذ مساعد المخ والأعصاب أن الوقاية خير من العلاج، حيث يحتاج المريض لعقاقير تسيطر على الحالة وفقا لمرحلة المريض ونوع الإصابة، وتشير إلى أن نحو 6 من هذه الأدوية أصبح متاحاً من خلال العلاج على نفقة الدولة، وان كان هناك أكثر من 15 نوع دواء يوجد خارج مصر وربما تكون انسب لبعض الحالات.
وتشير الدكتورة دينا إلى أن أشهر أسباب مرض التصلب المتعدد، هى وسائل الرفاهية الحديثة التى تسبب التوتر وتزيد من اتباع wغير الصحى والتدخين وهى العوامل التى تظهر المرض فى حالة وجود استعداد لدى الإنسان، والذى قد يتراوح لدى البعض بين 2% و 4 %، بالإضافة لوجود عوامل بيئية، فعلى سبيل المثال ترتفع نسب الإصابة بالتصلب المتعدد فى الدول الباردة بسبب غياب أشعة الشمس والإصابة بنقص فيتامين «د»، وتنصح الدكتورة دينا المريض بالتوجه إلى طبيب باطنى ومخ وأعصاب إذا أصابه احد الأعراض السابق ذكرها واستمرت أكثر من 24 ساعة مستمرة.
لماذا فترة الشباب؟ واخيرا ترجع أستاذ مساعد المخ والأعصاب أسباب ظهور المرض فى مرحلة الشباب، إلى ارتباطه باكتمال نضوج الجهاز المناعى فى الجسم وهو ما يتم فى هذه السن، اما فى الإناث فوجد أن هناك ارتباطاً بين المرض والهرمونات التى لها علاقة بالإنجاب، لذا ترى أن توعية الشباب بهذا المرض تعد احد سبل الوقاية منه، وهو الدور الذى تقوم به جمعية «الرعاية» لمرضى التصلب المتعدد التى تضم فى عضويتها وادارتها مرضى ال MS ومنهم نشوى ربيع. التى حكينا تجربتها فبعد تخرجها فى كلية الطب وتخصصها بمجال التحاليل الطبية لم تنس كيف خاضت التجربة بأصعب الطرق فقررت أن تتطوع فى الجمعية لتشارك فى التوعية بالمرض حتى لا يخوض آخرون تجربتها فاتجهت نشوى مع غيرها من المرضى المتطوعين فى الجمعية خلال الأسابيع الماضية لتوعية الشباب بالجامعات، حيث توجهت الحملة إلي15جامعة بمختلف المحافظات لتوعية الشباب بالمرض وكذلك طلاب كليات الطب وتقول:«نستهدف توعية الشباب، فالمرض يصيب هذه الفئة العمرية ونحاول من خلال الجمعية توفير الدعم النفسى والمادى خاصة أن الأدوية المكملة للعلاج على نفقة الدولة مرتفعة الثمن جدا».
حكايات المرضى فى جمعية «الرعاية» يعمل المرضى كمتطوعين لرعاية ومساندة المرضى الآخرين وأيضا توعية المجتمع بالمرض وطبيعته.
تحكى «آلاء الصفى» تجربتها مع المرض قائلة:«فى سن 25 كنت موظفة بشركة سياحة لا أعانى من أى أمراض ولكننى تعرضت لضغط نفسى شديد بعد وفاة صديقتى المقربة، وبدأت المشكلات بضعف البصر، توجهت لمستشفى متخصص فى العيون ولم يجدوا أى مشكلة طبية فقط حذرنى الطبيب من ارتداء العدسات اللاصقة، ولكن مع تطور الحالة فقدت رؤية الألوان ثم فقدت النظر تماما فتوجهت فورا لطبيب المخ والأعصاب الذى طالب بعمل رنين وفحوصات، واتضح إصابتى بالتصلب المتعدد وواظبت على العلاج بالكورتيزون لمدة عام».
تكررت هجمات المرض على آلاء من تنميل بالأطراف ورعشة باليد، ومع ظهور علاجات جديدة استطاعت أن تتحكم بالمرض وأن يتم تحجيمه لتعيش حياة طبيعية، وفى عام 2011 تطوعت آلاء بجمعية مساعدة المرضى لتشارك بالتوعية التى تراها أول طرق العلاج.
أما «عبد المسيح» فقد كان «الأمل» هو كلمة السر التى أنقذته من دوامة اليأس والعجز عن مقاومة المرض، ففى سن السادسة والعشرين ودون أى مقدمات أصيب عبد المسيح فاروق الموظف بوزارة الإسكان ووالد لطفلتين، وبدأت معاناته مع المرض بألم وثقل فى قدمه اليمنى فتوجه لأطباء العظام ولكن بلا جدوى فلا تشخيص ولا علاج لهذا الثقل الذى اخذ فى الانتشار فى سائر أطرافه السفلى، نصحه البعض بالتوجه لأطباء الأوعية ثم أطباء السكر وأخيرا إلى الأطباء النفسيين، فلا يوجد أى مؤشرات لمرض عضوى، عام كامل اخذ خلاله عبد المسيح يبحث عن سبب لتدهور حالته الصحية التى وصلت لعدم الاتزان وضعف فى النظر بالعين اليمنى، ويحكى عبد المسيح قائلا: فقدت الأمل فى الحياة وحاولت الانتحار خمس مرات حتى التقيت بالدكتور حاتم سمير طبيب المخ والأعصاب، الذى طلب فور رؤيته لحالتى عمل رنين على المخ وشخص إصابتى بالتصلب المتعدد، وبدأت رحلة العلاج الصعب بالكورتيزون والكيمياوى لشدة وصعوبة حالتى، وبدأت أيضا اهتم بالتعرف على غيرى من المصابين بالمرض لنساند بعضنا، وتطوعت فى جمعية رعاية المرضى، والآن بعد مرور 12عاما على هذه الأحداث يؤكد عبد المسيح أنه أكثر قوة وصلابة، صحيح أن المرض ترك أثره على قدميه فأصبح يتحرك بمساعدة «عكاز»، إلا انه أكثر سعادة بمساعدة المرضى الآخرين وأصبح مسئول لجنة المتطوعين والدواء بجمعية رعاية المرضى وعضو مجلس إدارة تلك اللجنة، التى تعمل على توصيل «الدواء» و«الأمل» على حد وصفه، للحالات التى لا يمكنها التحرك وتسهيل وتنظيم عملية زيارة العيادات بوحدة التصلب المتعدد بمستشفى قصر العينى والدمرداش، ويقول: كل المتطوعين معنا وهم 34 من المرضى، يقومون بتوصيل الدواء والأمل للمرضى الآخرين، فعندما يرى أحد المصابين أن من يقوم بتوصيل الدواء مصاب مثله بضعف فى الأطراف يتأكد أن الحياة تستمر وأنه يجب ألا تتوقف بسبب الإصابة، ونساعد المرضى فى العيادات ايام الاثنين والخميس بقصر العينى وفى الدمرداش يوم الثلاثاء وبالطبع تكون الأعداد كبيرة جدا وينتظرون لساعات طويلة للحصول على قرارات العلاج.
وعن التحديات التى تواجه مرضى التصلب المتعدد والتى يطالب عبد المسيح بتذليلها يقول: يوجد فى القاهرة وحدتان لمرضى التصلب المتعدد يقدمان الخدمات لمرضى القاهرة والعديد من المحافظات، فكثير من ابناء الصعيد يأتى هنا للمتابعة مع الأطباء بهذه الوحدات، لذا أرجو أن يكون فى كل محافظة وحدة لخدمة المريض.
يطالب عبد المسيح ايضا بزيادة عدد وحدات الرعاية اليومية المخصصة لتلقى الكورتيزون عند اصابة المريض بهجمة، ويوضح يوجد نحو 6 وحدات اشبه بالمقاعد المخصصة للتبرع بالدم بقصر العينى ونحو 8 بالدمرداش وهو عدد قليل جدا مقابل عدد المرضى، فعند حدوث «هجمات» نحتاج فورا لجرعات كبيرة من الكورتيزون وقد يتردد المريض على المستشفى عدة ايام لتناول هذه الجرعة، واقترح أن يتم توفير هذا النوع من الكورتيزون فى جميع المستشفيات الحكومية، وبالتالى يكون متاحاً للمريض أن يتلقى علاجه فى اى مستشفى فى حالة وجود هجمة من المرض.
كما يحتاج مرضى التصلب المتعدد لجلسات مستمرة من العلاج الطبيعى وهو ما يتطلب، وفقا لعبد المسيح، وجود متخصصين فى العلاج الطبيعى لمرضى MS لمراعة هذه الحالة الخاصة، وكذلك توافر هذه الجلسات بأسعار مناسبة، حيث يصل اقل سعر للجلسة إلى 100جنيه ويحتاج المريض إلى 3جلسات فى الاسبوع.
ايضا يطالب بانتظام صرف الدواء المقرر على نفقة الدولة، والذى يتأخر احيانا حتى 15يوما، صحيح أن الأمر لا يتكرر كثيرا ولكن اليوم الجرعة الواحدة قد تفرق فى حالة مريض ال MS وفقا لوصف عبد المسيح.
ويطالب عبد المسيح المواطنين بمشاركة مرضى التصلب المتعدد، لان علاجهم يتكلف مبالغ كبيرة جدا حتى بعد أن تكفلت الدولة بالعقاقير المكلفة التى كان اقلها يصل سعره إلى 10 آلاف جنيه، الا أنه العلاجات الوقائية والمكملة تكلف مبالغ كبيرة ايضا مثل المكملات الغذائية وادوية التشنجات.
واخيرا يدعو عبد المسيح الأطباء النفسيين إلى التطوع لمساندة مرضى التصلب المتعدد لدعمهم فى مواجهة المرض الذى يترك اثره ايضا على الحالة النفسية.