لم تخل مظاهرات السترات الصفراء التى اجتاحت فرنسا من بصمة «المتطرفين»، سواء من اليمين أو اليسار أو من الحاملين لأفكار تنظيم داعش الإرهابي، وخير دليل على ذلك هو ما شهدته المظاهرات من أحداث عنصرية وفوضوية، بل وكادت ساحات التظاهر أن تتحول إلى برك من الدماء بفعل تفجيرات إرهاربية حالت السلطات دون وقوعها فى اللحظات الأخيرة. فقد اعتقلت السلطات الفرنسية ثلاثة أشخاص بتهمة التخطيط لهجوم إرهابى خلال الاحتجاجات التى غمرت باريس، وعثرت السلطات بحوزة المتهمين على أسلحة ومواد دعائية لداعش، فضلا عن رسالة إليكترونية أرسلها أحد المتهمين لصديقته ليتوعد فيها بنزيف من الدماء فى أماكن المظاهرات. كما استغل التنظيم الارهابى الاحتجاجات الفرنسية، وحث المتطرفين المتعاطفين معه من «الذئاب المنفردة» على التسلل وسط الحشود وتنفيذ عمليات دهس وطعن وإطلاق نار ضد المدنيين. فى الوقت نفسه، اتهمت وزارة الداخلية الفرنسية من وصفتهم ب”المشاغبين” من اليمين المتطرف بالوقوف وراء أعمال العنف والحوادث العنصرية والمعادية للسامية التى وقعت خلال المظاهرات. وفى الوقت الذى أعلنت فيه المخابرات الفرنسية رصد من 80 الى 120 شخصا من أنصار اليمين المتطرف فى قلب أحداث العنف، أكدت تقارير إعلامية أخرى أن رؤية بعض العلامات والشعارات فى مسرح الأحداث تؤكد ضلوع اليسار المتطرف والمنظمات الفوضوية فى أعمال التخريب وإشعال الحرائق ومهاجمة قوات الشرطة والمحال التجارية. وتعد احتجاجات السترات الصفراء انعكاسا لحالة غليان اجتماعى تعيشها فرنسا صاحبها صعود كبير للتيارات المتطرفة بمختلف أنواعها، فغالبية المشاركين فى المظاهرات هم من العاملين المنتمين للطبقة المتوسطة والذين اضطروا خلال السنوات الأخيرة إلى مغادرة منازلهم فى ضواحى وأطراف باريس بعد تراجع دخولهم وتدهور ظروفهم المعيشية بسبب تراجع الانتاج الصناعى فى العاصمة والمدن الكبرى القائمة على الصناعة، وحل محل هذه الطبقة آلاف المهاجرين الذين استقروا فى أطراف المدن الكبرى وعملوا فى بعض المهن والحرف الصغيرة، وبسبب بعدهم عن العاصمة والمدن الحضرية الكبري، يلجأ العديد من الفرنسيين العاملين من أبناء الطبقة المتوسطة إلى استخدام سياراتهم بشكل أساسى للتنقل، وهو ما جعلهم يحتجون بشدة. إن الحوادث العنصرية آخذة فى الصعود فى فرنسا، بل وفى أوروبا كلها، بعد أن انتشر المهاجرون بكثرة على أطراف المدن، وسط تنامى الشعور لدى العديد من البيض بأن هناك من يزاحمهم فى قوت يومهم، فضلا عن إحساس مضاعف بالظلم الاجتماعى جراء تزايد الفجوة الاجتماعية بين الأغنياء والفقراء وتدهور أحوال أصحاب الياقات الزرقاء. أما عن المهاجرين أنفسهم، ففى حين ينجح بعضهم فى الاندماج بالمجتمع الفرنسى أو البلجيكى أو الهولندي، فإن البعض الآخر يفشل، فيستسلم الكثيرون من أصحاب العقول الضعيفة للفكر المتطرف مدفوعين بمشاعر الكراهية والازدراء حتى يتحولوا إلى لقمة سائغة فى يد الجماعات الإرهابية. والحقيقة أن فرنسا مثل العديد من دول أوروبا بدأت تشهد موجة من الشعبوية ومعاداة الأجانب ورفض العولمة بكل مبادئها بداية من الاقتصاد المفتوح وتداعياته ووصولا إلى اندماج الثقافات وتقبل الآخر.